د. عماد بوظو
في الثالث من شهر شباط/فبراير الحالي تقدّم عشرات من أعضاء مجلس الشعب المصري بطلب رسمي لإجراء تعديلات دستورية “لمعالجة القصور الشديد في تحديد مدة تولي رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلا من أربع لقصرها الشديد”، ولدورتين متتاليتين، ليصبح بإمكان الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد إقرار التعديلات الترشح بعد نهاية ولايته الحالية عام 2022 لولايتين ثانيتين، أي ليستمر بالحكم حتى عام 2034.
هذا ليس غريبا عن السياق العربي؛ السيسي في هذه الحالة سيكون في الثمانين من عمره أي أصغر سنّا من عبد العزيز بوتفليقة الجزائري ومحمود عباس الفلسطيني وميشال عون اللبناني؛ كما أنه نتيجة طبيعية للواقع السياسي الحالي في مصر الذي يتمحور بالكامل حول شخص السيسي، ويتظاهر بحساسية مفرطة عند المحيطين به تجاه أي انتقاد للوضع المصري.
خلال زيارته الأخيرة لمصر أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مجموعة من الملاحظات حول تراجع وضع الحريات فيها، وأعرب عن انزعاجه لرؤية الأمور كيف سارت في الاتجاه الخاطئ خلال العام الماضي.
وأشار ماكرون إلى أن ضمان الاستقرار على المدى الطويل لا يمكن تحقيقه بهذه الطريقة فالشعب المصري تذوق طعم الحرية، لذلك رأى الرئيس ماكرون أنه لا يمكن فصل الاستقرار والأمن عن حقوق الإنسان.
رد الرئيس السيسي على الانتقاد بالتأكيد على أن مصر ليست كأوروبا أو أميركا بل دولة لها خصوصيتها، ودعا ماكرون للتوقف عن النظر إلى بلاده بعيون غربية، كما حاول التقليل من أهمية ما يحدث بالقول إن قضية المدوّنين ليست بالأمر المهم مقارنة مع مسؤولية إطعام وتأمين العمل لـ 2.5 مليون مولود جديد، ومليون خريج سنويا.
هاجم مؤيدو السيسي “اللغة التي يتشدق بها الغرب”، واعتبروا أن مصر محاصرة إعلاميا، لأن مصدر المعلومات عنها يأتي من الميديا المعادية لها، حتى أن بعضهم اتهم إحدى منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنها مموّلة من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين!
لازمت هذه الطريقة بمخاطبة الخارج إعلاميا مصر منذ وصول السيسي للسلطة عام 2014، نتيجة تراجع مستوى واحترافية الإعلام المصري، والتي رافقها تراجع مماثل في استقلالية القضاء المصري العريق الذي فشلت الأنظمة السابقة في تطويعه، حتى أن الجهاز الحكومي الحالي قد تحول إلى مجرد أداة لتنفيذ توجيهات وسياسات الرئيس، وبهذا اكتملت الخطوات اللازمة لإضعاف مؤسسات الدولة، وأصبح الطريق ممهدا للسير نحو جمهوريات الحاكم الفرد على نمط صدام والقذافي وبوتين وأردوغان، حيث يصبح بقاء الدولة مرهونا ببقاء الرئيس وبعد غيابه لا تكون عملية إعادة بناء هذه المؤسسات بالأمر السهل.
استخدم السيسي لتبرير ما يحدث من تجاوزات عبارات مثل “الخصوصية المصرية” أو “محاولات الغرب فرض نموذجه في الديمقراطية وحقوق الإنسان على شعوب مختلفة عنه ثقافيا”، لكن هذا لا يفسّر نجاح البرازيل والأرجنتين ودول أميركا اللاتينية بالانتقال إلى النظام الديمقراطي بعد عقود طويلة من الديكتاتوريات العسكرية؛ ولا مع مثال الهند أكبر ديمقراطية في العالم، ورغم ذلك لا يقول قادتها إن عليها الاختيار بين تأمين الاستقرار لأكثر من مليار و300 مليون إنسان وبين حقوق الإنسان، ولا ماذا سيفعلون مع أكثر من عشرين مليون مولود جديد سنويا!
أما إذا كانت الخصوصية متعلقة بالدين الإسلامي فماذا عن استقرار النظام الديمقراطي في إندونيسيا وسكانها أكبر بأضعاف من عدد سكان مصر؟
جميع الدول السابقة ليست غربية وواجهتها مصاعب اقتصادية كبيرة وتحديات أمنية جدّية وتغلبت عليها اعتمادا على مؤسسات الدولة الديمقراطية التي يتم إضعافها في مصر اليوم.
برّر النواب طلبهم تعديل الدستور باستمرار عملية التنمية، وفي الحقيقة يشهد الاقتصاد المصري تحسنا ملموسا فمعدل النمو تجاوز الخمسة بالمئة لأول مرة منذ سنوات، كما ارتفع حجم الاستثمارات الكلية في مصر وانخفض عجز الموازنة دون العشرة في المئة لأول مرة منذ عقود، وارتفع الاحتياط النقدي ليغطي سبع أشهر من المستوردات، وانخفض معدّل البطالة إلى حدود العشرة في المئة، وتصاعدت أعداد السياحة الواردة وانخفض معدل التضخم، وشهد سعر صرف الدولار استقرارا عام 2018، وأكد صندوق النقد الدولي قبل أيام على تحسن الاقتصاد المصري ووافق على دفع شريحة مؤجلة بقرض بملياري دولار.
لكن سبب هذا التحسن هو اتباع توصيات صندوق النقد الدولي والخبراء الاقتصاديين ولا علاقة له بالقيادة السياسية. ويترافق السير مع توصيات صندوق النقد عادة مع مضاعفات معيشية تمسّ بشكل خاص حياة الفئات متوسطة الدخل والأشد فقرا نتيجة تحرير الأسعار وإلغاء الدعم الحكومي عن الكثير من السلع الأساسية، ومن المتوقع استمرار هذه الضائقة لبضع سنوات وقد تحاول بعض القوى السياسية استغلال ذلك، ولكن من المستبعد أن تلقى تجاوبا شعبيا نتيجة الخشية من عدم الاستقرار الذي اختبره المصريون خلال وعقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وكذلك نتيجة إدراك نسبة كبيرة من الشعب بأن هذه المعاناة مؤقتة وسينعكس تحسن الاقتصاد في النهاية ارتفاعا في مستوى معيشة المواطن المصري.
وربما من الأفضل للحريصين على الاستقرار، زيادة الجهود في محاربة الفساد الذي يكلّف مصر مئات مليارات الجنيهات ويطيل من فترة تعافي اقتصادها، عوضا عن تأييد اعتقال المدونين والنشطاء السلميين، لأن منظومة الفساد في مصر قديمة وأصبحت جزءا من الثقافة الشعبية.
وقالت منظمة الشفافية العالمية إن 50 في المئة من المصريين دفعوا رشوة عام 2015 عندما تعاملوا مع جهة تقدم خدمة عامة، ولا يمكن مكافحة الفساد بدون صحافة حرة تفضح عملياته، وقضاء مستقل عادل يحاسب الفاسدين بما يستحقون، وكذلك وضع حد لتجاوزات أجهزة الأمن مثل الاعتقالات غير القانونية أو تكرار حالات وفاة غير مبررة لسجناء وموقوفين، مما يوثر على سمعة الدولة المصرية وعلى المناخ الاستثماري والسياحي فيها، ولا يمكن حلّ هذه القضية بدون التأكيد على خضوع الجميع لسلطة القانون والتوقف عن تقديم الحماية للمذنبين من قبل رؤسائهم بتلفيق روايات لا تنطلي على أحد.
الاعتراف بوجود المشاكل هو الخطوة الأولى نحو إصلاحها وتجنب تكرارها، مثل التضييق على الحريات وتجاوزات عناصر الأمن والفساد. القادة الأوروبيين والمنظمات الدولية، الذين يكررون أنه لا يمكن ضمان الاستقرار على المدى الطويل من خلال إلغاء المعارضة وإضعاف النظام الديمقراطي هم حريصون على نمو وازدهار مصر، بينما المتملّقون والوصوليون المحيطون بمؤسسات السلطة والإعلام والرئاسة والذين يروجون لتراجع مصر عن الخيار الديمقراطي والتحول إلى أحد أشكال حكم الفرد فإنهم طمعا بمكاسب شخصية آنيّة يضعون مصير البلد بالكامل في المجهول.
الحرة