أحمد المصري
ربما أخطأ الفلسطينيون ـ بتقديري الشخصي ـ حين قرروا عدم المشاركة في مؤتمر وارسو، فهذا الغياب ليس له أي قيمة مضافة للقضية الفلسطينية، على العكس، فالغياب الفلسطيني عن المشهد في مؤتمر دولي من هذا النوع أعطى مساحة إضافية لتل أبيب كي توسع هيمنتها وحضورها في المجتمع الدولي على حساب الفلسطينيين.
مؤتمر وارسو يمثل بالضبط مقولة ـ حق يراد به باطل ـ فلا عاقل يمكن ان ينفي أو ينكر الخطر الإيراني الداهم والتوسعي على المنطقة، وهذا الخطر لا يمكن أن يضعنا في خندق واحد مع الخطر الإسرائيلي وهو مستمر في احتلاله لأراضي عربية، والتصدي للمشروع الإيراني لا يعني بأي حال الوقوف مع المشروع الإسرائيلي او التغاضي عنه.
هناك مخطط عالمي ممنهج وماكر لتحويل آليات الصراع وأهدافه بما يخدم إسرائيل فقط… ومصالحها دون غيرها.
المؤتمر الذي عقد في بولندا أيضا هو ضمن هذه الخطة (صفقة القرن) لأنه يريد تحويل العداء من العرب وإسرائيل إلى العرب وأطراف أخرى.
القضية معقدة في مستوى العلاقات العربية ـ العربية، وهو انعكاس لكثير من أسافين الفتنة التي تقودها بعض الدول العربية المحتضنة لقواعد ورؤوس الإرهاب.
فعملية ترك الدول العربية للارتماء في الحضن الاسرائيلي وفي غياب تام للفلسطنيين لم يكن خيارا ذكيا بالمطلق، ودول الخليج وعلى رأسها السعودية والامارات قالتا كلمتهما بأنه لا حل بدون المبادرة العربية وبدون دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا موقف كان على القيادات الفلسطينية البناء عليه وبقوة كحجر أساس داعم ومساند لهم، بالإضافة إلى الشريك التاريخي الاردني أيضا والذي يعتبر مثل (بالع الموس على الحدين) ورغم ذلك متمسك بمواقفه المساندة تجاه القضية الفلسطينية.
المنطقة في طور اعادة التقسيم والترتيب والجميع يعي ذلك فإما نكون جزءا من اللاعبين الأساسيين على طاولة الامم (ونحن أصحاب القضية أصلا) واما أن ننزوي فنقع في هامش النسيان وخارج التاريخ.
لسنا مع السياسة الامريكية بالمطلق في كل ما تقوم به، ولكن الحوار وليس المقاطعة هو الوسيلة للوصول إلى ما نريد، والحوار هنا مبني على سياسات منهجية لا حوار عدمي مستند على فراغ وهشاشة بالمواقف.
فلنكن واضحين وصريحين في نقدنا الذاتي، فالفلسطنييون يتحملون وزر ابتعاد الدول العربية عنهم ايضا فعدد المؤتمرات واللقاءات التي تمت للمصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام الفلسطيني لم تحقق شيئا، رغم تدخل اطراف عربية ودولية (اخرها لقاء موسكو).
وبدون ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لا نستطبيع فرض رؤيتنا الخاصة على العالم العربي.
وبدون الاعتراف بأخطاء الماضي والاعتذار عنها سواء ما ارتكبناه بحق القضية الفلسطينية او بحق دول استضافتنا لن يكون هناك سلام دائم.
السياسة هي البرغماتية والواقعية لكن اغلب الفلسطنيين يعيشون في قوقعة الماضي وأدوات الخطاب السياسي القديمة.
باختصار، يجب على القيادة الفلسطينية أن تواجه شعبها الفلسطيني مقرة ومعترفة بإخفاقها وفشلها وتحضر لضخ دماء جديدة خارج صندوق الدمى البالية الذي تستخدمه لتغيير الوجوه، للخروج بحلول واقعية ومنطقية، وحين يكون هناك مؤتمر مثل وارسو، فإن الفلسطيني الحاضر سيكون قادرا على مواجهة العالم بمنطق صاحب الحق، لا منطق المهزوم المنكسر.