شرق أوسط

احتضار “الخلافة” يثير غضب نسوة خرجن من كنفها في شرق سوريا

ـ قرب الباغوز ـ في العراء وسط صحراء قاحلة في شرق سوريا، تعرب نساء متشحات بالسواد عن غضبهن إزاء مصير “خلافة” تنظيم داعش. تقول إحداهن إنها لن تنتهي وتشيح أخرى بوجهها ممتعضة بينما تتوعد ثالثة بأن ابنها “سيكبر ذات يوم ليصبح ارهابيا”.

بانفعال، تقول هذه السيدة عبارتها باللغة التركية أمام فريق فرانس برس، بعد نزولها من حافلة أقلتها في عداد أكثر من ألفي شخص من بلدة الباغوز، حيث بات التنظيم محاصراً في مساحة لا تتجاوز نصف كيلومتر مربع.

ثم تشق طريقها مسرعة وهي تحمل حقيبة خضراء اللون على ظهرها بين مئات الاشخاص، وغالبيتهم نساء، انتظروا الجمعة خضوعهم للتفتيش والتدقيق في الهويات من قبل قوات سوريا الديموقراطية عند نقطة فرز في ريف دير الزور الشرقي.

على بعد أمتار منها، تفترش مجموعة من النساء الأرض. ولدى سؤالهن عن المنطقة التي يتحدرنّ منها، تجيب ثلاث منهن “نحن من الأنصار”، وهي التسمية التي تطلق على مناصري تنظيم داعش في مناطق سيطرته.

ثم تقول إحداهن، وهي منقبة تنهمك في إرضاع طفلها الذي يرتدي ثياباً زرقاء اللون، إنها من دير الزور، ممتنعة عن ذكر اسمها وعمرها لفرانس برس.

ثم تسأل بعصبية “من قال إننا كنا جياعاً؟ البيت الذي يوجد فيه تمر، أهله ليسوا بجياع”.

لا تخفي العديد من السيدات حزنهن لقرب انتهاء “خلافة” كانت مساحتها تعادل في العام 2014 مساحة بريطانيا، وتقلّصت على وقع الخسائر المتلاحقة التي مني بها التنظيم في سوريا والعراق المجاور إلى نصف كيلومتر مربع في الوقت الراهن.

تصرّ السيدة على أن ما جرى حالياً هو أن “الأمور تعكرت” فقط. وتتابع “لم نكن نريد الخروج أساساً، ولو لم يأت الأمر من خليفة المسلمين، لما كنا خرجنا”، في إشارة إلى زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، الذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن.

وبصراحة تامة، تقول الشابة السورية “أتمنى أن تعود الخلافة الإسلامية وتنتشر في كل أنحاء العالم”.

“نحن ضعفاء”

في نقطة الفرز هذه في وسط الصحراء وتحت سماء رماديّة، انقسم الخارجون من جيب التنظيم إلى مجموعتين، النساء مع أطفالهن الذين لا يتوقفون عن الصراخ في جهة، والرجال في الجهة المقابلة. ووقف عشرات الرجال في طابور بانتظار تفتيشهم بينما جلس آخرون في صفوف متراصة على الأرض بينهم رجل ذو طرف اصطناعية اصطحب عكازيه، وآخر وضع ضمادة بيضاء اللون على عينه اليسرى. وانصرف بعضهم لأداء الصلاة.

في الجهة الأخرى، تعمل شابات مقاتلات من قوات سوريا الديموقراطية على تفتيش النساء المنقبات، يحمل بعضهن أطفالاً رضع وحقائب وحاجيات أحضرنها معهن بينما يلهو بعض الأطفال قربهن ويحدق آخرون غير آبهين بما يجري حولهم.

ورداً على سؤال عن سبب خروج هذا العدد الكبير من الباغوز، تقول سيدة “يريدون أن يشنوا حملة (عسكرية)، ونحن ضعفاء. نحن النساء ضعفاء”.

وخفّفت قوات سوريا الديموقراطية التي تشن منذ أيلول/سبتمبر هجوماً ضد التنظيم في ريف دير الزور الشرقي من وتيرة عملياتها في الأسبوع الأخير افساحاً في المجال أمام المدنيين للخروج من الجيب المحاصر في الباغوز. وأجلت هذه القوات منذ الأربعاء نحو خمسة آلاف شخص، تحدث عدد منهم لفرانس برس عن ظروف معيشية صعبة في ظل نقص الغذاء والمياه والأدوية.

وتوضح أم عبد الرحمن (25 عاماً) التي خرجت من الباغوز برفقة زوجها، الذي تقول إنه كان مقاتلاً في صفوف التنظيم قبل أن يصاب قبل سنوات، لفرانس برس “كنا نخاف القصف ولا شيء غيره. لا يهمنا الجوع”.

وتضيف السيدة المتحدرة من محافظة درعا جنوباً “شعورنا سيء جداً، لكن الخلافة الإسلامية بإذن الله لن تنتهي” مؤكدة أنه في كنفها “كنا مرتاحين وبالنسبة إلينا لم يكن هناك من تشدد”.

ولطالما أثار التنظيم في مناطق سيطرته الرعب بقوانينه المتشددة وأحكامه الوحشية والاعتداءات الدموية التي نفذها حول العالم.

“نتشرف أنه خليفتنا”

ولدى سؤالها عن مصير زعيم التنظيم، تجيب بثقة “نتشرف أنه خليفتنا”، قبل أن تضيف “كنا نسمع خطاباته فقط، فهو الخليفة وطبعاً يرصده الجميع، فهل من المعقول أن يظهر على الملأ؟”.

وكان الظهور العلني الوحيد للبغدادي، المولود في العراق، في الخامس من تموز/يوليو 2014 اثناء الصلاة في جامع النوري الكبير في مدينة الموصل العراقية، وذلك بعد أيام من إعلان التنظيم إقامة”الخلافة” على مناطق سيطرته الشاسعة في سوريا والعراق وتقديمه كـ”أمير المؤمنين”.

ومذ ذاك الحين، لم يتوجه البغدادي إلى أنصاره إلا من خلال تسجيلات صوتية تنشرها وكالة أعماق الدعائية التابعة للتنظيم على تطبيق تلغرام، كان آخرها في آب/أغسطس 2018، بعد ثمانية أشهر من إعلان العراق “النصر” على تنظيم داعش.

وتردد مراراً خبر مقتل البغدادي، وأعلنت الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً دولياً يوجه ضربات للتنظيم منذ صيف العام 2014، مكافأة قيمتها 25 مليون دولار لمن يعتقله.

وفي موزاة النساء الغاضبات، تقول أخريات إن البقاء في جيب التنظيم لم يكن ممكناً جراء نقص الغذاء والارتفاع الكبير في أسعار المواد القليلة المتبقية في بقعة الارهابيين الأخيرة.

وتقول صباح محمد شهاب، في العشرينات وأم لطفلة عمرها ثلاثة أشهر من ريف حلب (شمال) لفرانس برس “لا تستطيعين العيش في الداخل، ولا تستطيعين الخروج حتى” مع طلب المهربين مبلغا يصل إلى ألفي دولار أمريكي.

وتضيف مع فتاة أخرى وقفت إلى جانبها “نحن سعداء بالخروج”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق