شرق أوسط

ثلاثة أيتام فرنسيون مشردون في مخيمات الشمال السوري حتى إشعار آخر

ـ مخيم الهول (سوريا) ـ في مخيمات باردة ومكتظة في شمال شرق سوريا، تفرّق شمل ثلاثة أشقاء يبلغ أكبرهم من العمر خمس سنوات بعد مقتل والدتهم الفرنسية، ويعيشون بعيداً عن جديهم المقيمين في فرنسا واللذين ناشد الرئيس إيمانويل ماكرون العمل على استعادة أحفادهما.

وقتلت والدة هؤلاء الأطفال جولي مانينشيدا (26 عاماً)، بقصف استهدف قبل أشهر الجيب الأخير لتنظيم داعش  في شرق سوريا، بعد فترة من طلاقها من والدهم الجهادي الألماني مارتن ليمكي الذي اعتقلته قوات سوريا الديموقراطية قبل أسابيع.

خلف السياج الحديدي لمخيم الهول في الحسكة (شمال شرق)، يقف طفل بعينين واسعتين يبلغ من العمر عاماً واحداًداعش الدولة الاسلامية مع أفراد اسر الجهاديين.

في القسم المخصص لزوجات وأطفال الجهاديين الأجانب في المخيم، التقى فريق فرانس برس الطفل سليمان، وهو اسم مستعار، عن طريق الصدفة، كان برفقة سيدة من جنوب افريقيا. وبدت على وجهه آثار جرح قديم يمتد على خده، لم يتضح سببه.

ويعد هذا الطفل واحداً من بين نحو أربعين طفلاً وصلوا إلى ثلاثة مخيمات للنازحين في شمال شرق سوريا، غير مصحوبين بأفراد اسرهم. وهم من إجمالي أكثر من 2500 طفل من ثلاثين دولة على الأقل موجودون في تلك المخيمات، نصفهم تقريباً خرجوا من جيب التنظيم الأخير منذ كانون الثاني/يناير، بحسب احصاءات منظمة “انقذوا الطفولة” الانسانية البريطانية.

وتغيّر مصير هذا الطفل مع شقيقيه حسن (خمس سنوات) وشهير (ثلاث أعوام)، وهما اسمان مستعاران، قبل نحو خمسة أشهر في قرية الشعفة، حين قتلت والدتهم مع زوجها الثاني، وهو مغربي الجنسية في صفوف تنظيم داعش، جراء قصف استهدف الشعفة، وفق ما روت زوجات عدد من المسلحين الجهاديين تواجدن في المنطقة ذاتها.

وكانت جولي آنذاك قد تطلقت قبل أشهر عدة من ليمكي، والد أطفالها، الذي رافقته إلى سوريا في خريف 2014.

وسيطرت قوات سوريا الديموقراطية مطلع العام على الشعفة التي كانت تعد من بين أبرز القرى تحت سيطرة التنظيم في ريف دير الزور الشرقي. وبات التنظيم اليوم محاصراً في مساحة لا تتجاوز نصف كيلومتر مربع في بلدة الباغوز.

 تفرق الشمل 

وأدى مقتل الأم إلى تفرق شمل أطفالها. انضم البكر حسن إلى والده ليمكي الذي كان يعيش مع زوجتيه الألمانيتين وأطفالهم الثلاثة. وفي نهاية كانون الثاني/يناير، فروا جميعهم من بلدة الباغوز إلى نقاط قوات سوريا الديموقراطية في محيطها.

وبحسب الصحافة الألمانية، كان ليمكي عنصراً في “الحسبة” أي الشرطة الشرعية للتنظيم، قبل أن ينضم إلى فريق الأمنيين.

وأوقفت قوات سوريا الديموقراطية ليمكي فور خروجه. وادعت زوجتاه ليونورا وسابينا لمراسلة فرانس برس، التي التقتهما في نقطة فرز مخصصة لتفتيش الفارين قرب الباغوز، أنه لم يكن مقاتلاً بل عمل كتقني تصليح أجهزة الكترونية.

وحين كانت عدسات وسائل الاعلام تلاحق زوجتي والده، جلس حسن قرب إحدى السيارات مرتدياً سترة حمراء وحذاء صيفياً أكبر من مقاس رجليه، يراقب ما يحصل من دون أن يتفوه بأي كلمة، بينما الغبار يكسو شعره البني.

وأفادت ليونورا فرانس برس أنها سلمت شقيقي حسن الصغيرين إلى اسرة سورية فرت بهما إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية. وقالت حينها لفرانس برس “لدي طفلان أساساً، وهذا كثير بالنسبة إلي”.

بعد وصولهما إلى مخيم الهول مع الاسرة السورية، تسلمت سيدتان مهام رعاية شهير وسليمان، إحداهما من جنوب افريقيا والثانية ألمانية. أما حسن، فلم تتمكن فرانس برس من معرفة المخيم الذي يوجد فيه مع زوجتي أبيه.

 “حياة جديدة” 

وبحسب مدير برنامج مكافحة الإرهاب في منظمة هيومن رايتس ووتش نديم حوري الذي التقى الطفلين في مخيم الهول خلال الشهر الحالي، تعرض الطفلان للتعنيف على يد افراد من الاسرة السورية، وتدهورت صحتهما.

وجراء ذلك، لم يبدأ سليمان المشي بعد ولم يتعلم الكلام، أما شهير فقد فقد الكثير من وزنه.

ويقول حوري “البرد القارس والأمطار والرياح والنقص في المناعة، كلها عوامل تجعل شروط الحياة قاسية بالنسبة إلى طفلين صغيرين”.

على بعد أكثر من أربعة آلاف كيلومتر، وتحديداً في شمال فرنسا، تلقت ليدي مانينشيدا (56 عاماً) نهاية الشهر الماضي نبأ مقتل ابنتها الوحيدة جولي بكثير من الأسى. لكنها ورغم حزنها الشديد، تبذل مع زوجها باتريس أقصى جهد ممكن لاستعادة أحفادهما.

ووجّه الثنائي رسالة إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون طالباه فيها “باثبات بعض الإنسانية” للموافقة على قرار ترحيل الأطفال الثلاثة من سوريا إلى فرنسا.

وتقول الجدة لفرانس برس “الله وحده يعلم ما مرّ عليهم، لكنهم صغار جداً ولم يفعلوا شيئاً. علينا أن نمنحهم فرصة لإعادة بناء أنفسهم وأن يحظوا بحياة جديدة”.

وتبدي فرنسا على غرار دول أوروبية أخرى تردداً إزاء إعادة الجهاديين الفرنسيين المحتجزين في سوريا. لكن مسؤولين عدة قالوا إن باريس تدرس امكانية إعادة عشرات الأطفال الذين ولدوا في سوريا أو سافروا إليها وهم صغار جداً مع أهلهم، من دون أن تحدد إطاراً زمنياً لذلك.

وتناضل ليدي كذلك لحثّ بلادها على استعادة مواطنيها البالغين المعتقلين في سوريا. وتوضح “يجب اجراء محاكمات في فرنسا لنحصل على الأجوبة”.

وتسأل “لماذا ذهب 1700 فرنسياً إلى هناك؟” قبل أن تضيف “لا أعرف لما لا ترغب (سلطات) فرنسا في الإجابة على هذا السؤال”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق