شهد الشهر الحالي حدثين يتعلقان بـ«الهيبة» الإيرانية. ففي الثامن من هذا الشهر انهمرت صواريخ إيرانية على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» في كويسنجق بجنوب شرقي أربيل في كردستان العراق. وحرص «الحرس الثوري» على إعلان مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ ووزع أشرطة فيديو تظهر كيف أصابت الهدف إبان اجتماع لقيادة الحزب الكردي المعارض. وكان واضحاً أن تبني الهجوم وتوزيع صوره يشكلان رسالة صريحة من إيران إلى خصومها في المنطقة مفادها أن صواريخها قادرة على اجتياز الحدود التي تفصل بين الخرائط وقادرة أيضاً على إصابة أهدافها. وجاء عرض القوة هذا في وقت كانت فيه المواقع الإيرانية في سوريا تتعرض لهجمات متلاحقة من إسرائيل ومن دون أن تتمكن من الرد عبر الأراضي السورية بسبب الضوابط الروسية للساحة هناك.
وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي تعرضت إيران لحادث يتعلق بهيبتها، ولكن على أرضها هذه المرة. فقد فاجأ مسلحون «الحرس الثوري» والجيش الإيرانيين باستهداف منصة لكبار المسؤولين خلال عرض عسكري في الأحواز، ما أدى إلى سقوط العشرات من عناصر «الحرس» والجيش بين قتيل وجريح.
وإذا كان الحادث الأول قدم الدليل، من وجهة نظر طهران، على أن يد «الحرس» طويلة وقادرة على الوصول إلى الأعداء، فإن الحادث الثاني قدم الدليل على أن أمن إيران قابل هو الآخر للاختراق. وإذا كان استهداف المقر في كويسنجق كشف أن إيران الخميني لم تحل مشكلة إيران المزمنة مع أكرادها، فإن هجوم الأحواز أظهر أيضاً أن مشكلة إيران مع عرب الأحواز مستمرة وتتفاقم. وبديهي أن يتصاعد غضب السلطات الإيرانية، ليس فقط بسبب الاختراق الأمني لمكان يفترض أن يكون بالغ التحصين، بل أيضاً لأنه يكشف استمرار مشكلة الأقليات العرقية والمذهبية رغم محاولة طهران تقديم نفسها ضامنة لسلامة الأقليات في بعض أنحاء المنطقة.
قبل أربعين عاماً، حاولت الثورة الإيرانية أن تقول غداة انتصارها إن عهداً جديداً في الشرق الأوسط قد بدأ، وإن الثورة التي ولدت من خارج عالم المعسكرين الذي كان قائماً يومذاك تملك حلولاً شافية لما تعانيه «الشعوب المستضعفة».
العودة إلى الذاكرة تسعف أحياناً. بعد أيام من الثورة استقبل الخميني وفداً كردياً رفيعاً من أكراد العراق جاء للتهنئة واستكشاف المواقف. حكى الوفد عن مظالم الأكراد الذين يتعرضون لمحاولات اقتلاع من أراضيهم وطمس هويتهم وثقافتهم وأبسط تطلعاتهم. وكان رد الخميني أن هذه المظالم بحق أكراد إيران لن تكون موجودة «لأن الثورة إسلامية، وهي ملك للجميع ولا تفرق بين المسلمين». وبعد أربعين عاماً جاء الهجوم على كويسنجق ليعيد التذكير بأن أوضاع أكراد إيران لم تتغير.
اتهمت إيران انفصاليين من الأحواز بتنفيذ الهجوم. قالت إنهم حصلوا على دعم من دولتين خليجيتين، وإن تحركهم «جزء من مؤامرة أميركية – إسرائيلية لزعزعة استقرار إيران». وتوعدت برد سريع وحاسم.
ثمة من يعتقد أن هجوم الأحواز سيعطي الرئيس حسن روحاني فرصة التحدث في نيويورك عن «الإرهاب» الذي يستهدف بلاده. لكن الأكيد أن للتوتر الإيراني المتصاعد علاقة بمواعيد أخرى. واضح أن الرئيس دونالد ترمب سيوظّف حضوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لإطلاق حملة واسعة على طموحات إيران النووية وترسانتها الصاروخية وسياسة زعزعة الاستقرار التي تنتهجها في الإقليم. وتتزايد أهمية هذا الموعد كونه يسبق بأسابيع الموعد الذي حدده ترمب للجولة الثانية من العقوبات ضد إيران، وهي عقوبات نفطية قال إنها ستكون الأقسى في التاريخ.
لا شك أن سلوك إيران في الفترة الأخيرة يحمل بصمات الخسارة التي مُنيت بها بفعل خروج أميركا من الاتفاق النووي وإصرار واشنطن على أن تكون الترسانة الصاروخية والسلوك الإقليمي جزءاً من أي اتفاق مقبل مع إيران. لقد انتهت أحلام الإفادة من عائدات الاتفاق النووي لتمويل الهجوم الواسع في الإقليم. وأظهرت الأسابيع الماضية أن الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي لا يشكل على الإطلاق وسادة معقولة أو مقبولة للقلق الإيراني. وإذا أخذنا في الاعتبار تراجع العملة الإيرانية والاحتجاجات الأخيرة في أنحاء مختلفة من البلاد وانكشاف أزمات إيران مع مواطنيها من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان يمكننا فهم التوتر الحالي. وكما تذمر المواطن السوفياتي ذات يوم من تردي أوضاعه في حين تضخ بلاده المليارات في عروق نظام كاسترو سيتذمر الإيراني من تردي أوضاعه وإنفاق ثروات بلاده في المغامرات الإقليمية.
واضح أننا على أبواب فصل أكثر سخونة في علاقات إيران بالمنطقة ومع أميركا. تتصرف إيران كأنها خسرت «صفقة القرن» حين خسرت التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي. ثم ها هي تكتشف أن الشرق الأوسط يشبه الأواني المستطرقة. وأن من يصدر النار لا بد من أن يستوردها يوماً. وأن من يُسهم في تفكيك خرائط الآخرين قد يدفع خريطته إلى مصير مشابه. اعتقدت إيران أنها جراح ماهر في منطقة مريضة، وها هي تكتشف أن «الطبيب» مريض أيضاً.
أغلب الظن أن إيران كانت تتحرش بـ«الشيطان الأكبر» لإرغامه على أن تكون شريكه الأكبر في المنطقة. عودة إلى الماضي القريب. ذات يوم قال وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متقي كلاماً مهماً للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني. قال له: «قل لصديقك السفير الأميركي زلماي خليل زاد ماذا يريد الأميركيون منا؟ أيدنا تحرير العراق من صدام حسين. وأيدنا مجلس الحكم وانتخاب رئيس الجمهورية. وأيدنا هذا الوضع الجديد الذي أقامه الأميركيون في العراق. لا يوجد شيء عمله الأميركيون ولم نؤيده، فقل لصديقك ماذا يريدون منا أكثر؟».
وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي تعرضت إيران لحادث يتعلق بهيبتها، ولكن على أرضها هذه المرة. فقد فاجأ مسلحون «الحرس الثوري» والجيش الإيرانيين باستهداف منصة لكبار المسؤولين خلال عرض عسكري في الأحواز، ما أدى إلى سقوط العشرات من عناصر «الحرس» والجيش بين قتيل وجريح.
وإذا كان الحادث الأول قدم الدليل، من وجهة نظر طهران، على أن يد «الحرس» طويلة وقادرة على الوصول إلى الأعداء، فإن الحادث الثاني قدم الدليل على أن أمن إيران قابل هو الآخر للاختراق. وإذا كان استهداف المقر في كويسنجق كشف أن إيران الخميني لم تحل مشكلة إيران المزمنة مع أكرادها، فإن هجوم الأحواز أظهر أيضاً أن مشكلة إيران مع عرب الأحواز مستمرة وتتفاقم. وبديهي أن يتصاعد غضب السلطات الإيرانية، ليس فقط بسبب الاختراق الأمني لمكان يفترض أن يكون بالغ التحصين، بل أيضاً لأنه يكشف استمرار مشكلة الأقليات العرقية والمذهبية رغم محاولة طهران تقديم نفسها ضامنة لسلامة الأقليات في بعض أنحاء المنطقة.
قبل أربعين عاماً، حاولت الثورة الإيرانية أن تقول غداة انتصارها إن عهداً جديداً في الشرق الأوسط قد بدأ، وإن الثورة التي ولدت من خارج عالم المعسكرين الذي كان قائماً يومذاك تملك حلولاً شافية لما تعانيه «الشعوب المستضعفة».
العودة إلى الذاكرة تسعف أحياناً. بعد أيام من الثورة استقبل الخميني وفداً كردياً رفيعاً من أكراد العراق جاء للتهنئة واستكشاف المواقف. حكى الوفد عن مظالم الأكراد الذين يتعرضون لمحاولات اقتلاع من أراضيهم وطمس هويتهم وثقافتهم وأبسط تطلعاتهم. وكان رد الخميني أن هذه المظالم بحق أكراد إيران لن تكون موجودة «لأن الثورة إسلامية، وهي ملك للجميع ولا تفرق بين المسلمين». وبعد أربعين عاماً جاء الهجوم على كويسنجق ليعيد التذكير بأن أوضاع أكراد إيران لم تتغير.
اتهمت إيران انفصاليين من الأحواز بتنفيذ الهجوم. قالت إنهم حصلوا على دعم من دولتين خليجيتين، وإن تحركهم «جزء من مؤامرة أميركية – إسرائيلية لزعزعة استقرار إيران». وتوعدت برد سريع وحاسم.
ثمة من يعتقد أن هجوم الأحواز سيعطي الرئيس حسن روحاني فرصة التحدث في نيويورك عن «الإرهاب» الذي يستهدف بلاده. لكن الأكيد أن للتوتر الإيراني المتصاعد علاقة بمواعيد أخرى. واضح أن الرئيس دونالد ترمب سيوظّف حضوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لإطلاق حملة واسعة على طموحات إيران النووية وترسانتها الصاروخية وسياسة زعزعة الاستقرار التي تنتهجها في الإقليم. وتتزايد أهمية هذا الموعد كونه يسبق بأسابيع الموعد الذي حدده ترمب للجولة الثانية من العقوبات ضد إيران، وهي عقوبات نفطية قال إنها ستكون الأقسى في التاريخ.
لا شك أن سلوك إيران في الفترة الأخيرة يحمل بصمات الخسارة التي مُنيت بها بفعل خروج أميركا من الاتفاق النووي وإصرار واشنطن على أن تكون الترسانة الصاروخية والسلوك الإقليمي جزءاً من أي اتفاق مقبل مع إيران. لقد انتهت أحلام الإفادة من عائدات الاتفاق النووي لتمويل الهجوم الواسع في الإقليم. وأظهرت الأسابيع الماضية أن الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي لا يشكل على الإطلاق وسادة معقولة أو مقبولة للقلق الإيراني. وإذا أخذنا في الاعتبار تراجع العملة الإيرانية والاحتجاجات الأخيرة في أنحاء مختلفة من البلاد وانكشاف أزمات إيران مع مواطنيها من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان يمكننا فهم التوتر الحالي. وكما تذمر المواطن السوفياتي ذات يوم من تردي أوضاعه في حين تضخ بلاده المليارات في عروق نظام كاسترو سيتذمر الإيراني من تردي أوضاعه وإنفاق ثروات بلاده في المغامرات الإقليمية.
واضح أننا على أبواب فصل أكثر سخونة في علاقات إيران بالمنطقة ومع أميركا. تتصرف إيران كأنها خسرت «صفقة القرن» حين خسرت التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي. ثم ها هي تكتشف أن الشرق الأوسط يشبه الأواني المستطرقة. وأن من يصدر النار لا بد من أن يستوردها يوماً. وأن من يُسهم في تفكيك خرائط الآخرين قد يدفع خريطته إلى مصير مشابه. اعتقدت إيران أنها جراح ماهر في منطقة مريضة، وها هي تكتشف أن «الطبيب» مريض أيضاً.
أغلب الظن أن إيران كانت تتحرش بـ«الشيطان الأكبر» لإرغامه على أن تكون شريكه الأكبر في المنطقة. عودة إلى الماضي القريب. ذات يوم قال وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متقي كلاماً مهماً للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني. قال له: «قل لصديقك السفير الأميركي زلماي خليل زاد ماذا يريد الأميركيون منا؟ أيدنا تحرير العراق من صدام حسين. وأيدنا مجلس الحكم وانتخاب رئيس الجمهورية. وأيدنا هذا الوضع الجديد الذي أقامه الأميركيون في العراق. لا يوجد شيء عمله الأميركيون ولم نؤيده، فقل لصديقك ماذا يريدون منا أكثر؟».
الشرق الأوسط