السلايدر الرئيسيشرق أوسط
فلسطين: جدل بعد قرار المحكمة الدستورية بشأن الطبيعة القانونية لجهاز الشرطة
فادي أبو سعدى
– رام الله – أعلنت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وائتلافاتها، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أنها تلقت بصدمة بالغة القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا رقم (2/2018) بتاريخ 12/09/2018، والذي اعتبر جهاز الشرطة العامة جهازاً عسكرياً يخضع أفراده لولاية القضاء العسكري، ووسع من ولاية القضاء العسكري لتشمل بالإضافة إلى العسكريين؛ أفراد جهاز الشرطة والمدنيين، وتقريره عدم دستورية بعض المواد في القرار بقانون بشأن الشرطة، متجاوزاً بذلك اختصاصات وصلاحيات المحكمة الدستورية وفق قانون المحكمة ذاتها.
ووقفت المؤسسات المتخصصة ملياً وبالتحليل القانوني أمام أسباب القرار ومنطوقه ووجدت الآتي:
تراجع القرار التفسيري بشكل صريح عن التقدم المحرز خلال الأعوام الماضية في مجال تحديد اختصاص القضاء العسكري، والذي عبر عنه الرئيس بقراره الصادر بتاريخ 15/01/2011، بحظر عرض المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وجاء القرار أيضاً مخالفاً بشكل صريح لكثير من الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة العدل العليا والهيئة العامة للمحكمة العليا والتي أكدت على اختصاص القضاء النظامي في محاكمة المدنيين، ليأتي القرار التفسيري المذكور ليسمح من جديد بإمكانية عرض المدنيين أمام القضاء العسكري، وبما ينتهك وبشكل صارخ حق المواطنين في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي وفقاً لما نصت عليه المادة 30 من القانون الأساسي، وكفلته المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولا يغير من ذلك البيان التوضيحي الصادر عن رئيس المحكمة الدستورية بتاريخ 23/09/2018، والذي أكد فيه أن القرار التفسيري لا يطال المدنيين، ذلك أن هذا التوضيح يتناقض مع ما جاء في متن القرار ومنطوقه، إضافة إلى افتقاده أي قيمة قانونية.
تعدى القرار التفسيري وبشكل غير مسبوق على اختصاص القضاء النظامي، صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات والجرائم في فلسطين، وفق ما نص عليه القانون الأساسي، وقانون السلطة القضائية، وقانون تشكيل المحاكم النظامية، والتي أكدت على أن ليس للمحاكم العسكرية أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري. وجاء القرار التفسيري ليقلب الاستثناء إلى أصل والأصل إلى استثناء، وذلك من خلال توسيع ولاية القضاء العسكري على حساب القضاء النظامي، باعتماده تفسير للشأن العسكري يسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية على النحو المشار إليه آنفاً، وبما يؤدي أيضاً إلى محاكمة العسكريين ومحاكمة أفراد جهاز الشرطة أمام المحاكم العسكرية بصرف النظر عن طبيعة الجريمة المنسوبة إليهم ارتكابها، فيما إذا كانت ذات طبيعة مدنية أم عسكرية، على نحو يمس بشكل واضح بحق العسكرين، وحق أفراد جهاز الشرطة خصوصاً بالخضوع لقاضيهم الطبيعي (القضاء النظامي) في الجرائم ذات الطبيعة المدنية.
إن اعتبار القرار التفسيري لجهاز الشرطة ذات طابع عسكري يخالف الممارسات الدولية الفضلى في الدول الديمقراطية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، واللذان يعتبران جهاز الشرطة جهازاً مدنياً يتمتع بالحماية المقررة للأشخاص والمنشآت المدنية وقت النزاع المسلح وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، وإن إصباغ الصفة العسكرية على جهاز الشرطة قد يُتخذ ذريعة من قبل دولة الاحتلال لاستهدافه. علماً بأن التقرير الأممي الصادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة برئاسة القاضي “ريتشارد غولدستون” في العام 2009، قد اعتبر استهداف دولة الاحتلال لمقار الشرطة استهدافاً لمقار مدنية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني.
إن القرار التفسيري المذكور، وما سبقه من أحكام دستورية وقرارات تفسيرية أصدرتها المحكمة على نحو جاوز قانون المحكمة ذاتها والأعراف الدستورية العريقة في مجال المراجعة الدستورية، قد أكد مخاوف مؤسسات المجتمع المدني، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان من دور المحكمة – وهو ما أثبتته التجربة العملية للمحكمة – في التعدي على القيم الدستورية وبخاصة مبدأ سمو الدستور؛ مبدأ سيادة القانون؛ مبدأ الفصل بين السلطات؛ مبدأ استقلال القضاء وعلى منظومة حقوق الإنسان برمتها.
وفي ضوء تشكيل وعمل المحكمة الدستورية العليا على هذا النحو، فإن مؤسسات المجتمع المدني وائتلافاتها والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان:
وطالب بالتراجع الفوري عن القرار التفسيري المذكور أعلاه، خاصة أنه لم يُنشر بعد في صحيفة الوقائع الفلسطينية، والتأكيد على اعتبار جهاز الشرطة العامة جهازاً مدنياً ذو اختصاصات مدنية، واعتماد تفسيراً ضيقاً لولاية القضاء العسكري باعتباره قضاءً خاصاً ليس له أي ولاية خارج الشأن العسكري، التزاماً بالقانون الأساسي، وحق كل إنسان في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.
وأكدت على مطالبتها السابقة بضرورة سحب قرار تشكيل المحكمة الدستورية، وبخاصة أنها شُكلت بالخلاف لأحكام القانون الأساسي، وقانون المحكمة الدستورية العليا، وفي ظل الانقسام السياسي، ودون توافق وطني ودون مراعاة تمثيل المرأة في عضوية المحكمة.
كما أكدت على قناعتها ضرورة أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا في مرحلة لاحقة لإعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وتوحيد القضاء الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.