أقلام يورابيا
حارس الثوابت الفلسطينية
* ليلى العياري
اليوم اخترت أن أنزل عند رغبة إحدى صديقاتي والتي قالت لي أنا لا أراك إلا مدافعة شرسة عن القضية الفلسطينية، فقررت الكتابة عن الرئيس أبو مازن ليس كشخص ولكن كقضية، خصوصاً بعد الهجمة الشرسة التي يتعرض لها والتي لا تخدم إلا مصالح العدو الصهيوني.
وهذه الهجمة مبررها الوحيد التنازل عن الثوابت الفلسطينية، وقد ساهمت فيها عدة أطراف داخلية و خارجية، لن أمجد شخص الرئيس أبو مازن فهو بشر والبشر خطاؤون، ومن يعمل يصيب ويخيب أحياناً، أما ردي على من يتهمون أبو مازن بأنه تنازل عن هذه الثوابت ما الذي كان معه ليتنازل عنه؟ بل بالعكس هو يحاول أن يحافظ عما استطاع الحصول عليه وعلى ما هو بين يديه.
قبل سنتين كان لي لقاء بسيادته في عمان خلال مرافقتي لوفد لكسر الحصار عن مدينة القدس ووجدت في شخصه رؤية ومنهج لرجل دولة يحاول أن يبني دولة مؤسسات على أرض محتلة وفي ظل الظروف الصعبة الراهنة، بالإضافة إلى عدو متربص، وأخوة أعداء، ولكنه كان مصمماً على السير قدماً حتى وأن وقف الجميع ضده، فالخبث السياسي مطلوب عندما تكون القوى العسكرية غير متكافئة، واستشهد بقولي هذا على العرض الذي عرضه الزعيم الراحل بورقيبة في الستينات من القرن الماضي وذلك في خطابه الشهير الذي ألقاهُ في مدينة أريحا، الذي لاقى الرفض من الفلسطينيين يومها متبعين قرارات عربية غير مدروسة أدت فيما بعد إلى ضياع كل فلسطين.
فيما تتالت الهزائم العربية الهزيمة تلوى الهزيمة والخيانة تلوى الخيانة ليجد الفلسطيني نفسهُ وحيداً في مواجهة قوى دولية عظمى تساند احتلال بغيض، ليتم التآمر لاحقاً على أضعاف منظمة التحرير وتصفية العديد من قادة المنظمة مثل، الشهيد صلاح خلف (أبو أياد) والشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) والشهيد ياسر عرفات (أبو عمار) والقائمة تطول و تطول ليجد نفسه وحيداً في مواجهة العدو سياسياً و عسكرياً ولأنه رجل واقعي وجد أن المبارزة السياسية هي الحل، وقد انتصر عليهم نوعاً ما وتمكن من كشفهم دولياً مما أدى إلى اشتداد القبضة عليه مالياً وأمنياً، وبتشديد الخناق عليه توهمت إسرائيل أنها ستفرض شروطها وستنجح في الضغط بكل قواها عليه للتنازل ولكنها لم تفلح وبقي متمسكاً بثوابت شعبه والتي قالها هو صراحة بأنها ليست ملكه فكيف سيفرط فيما لا يملك وهو مؤمن عليها ولن يخون الأمانة.
واليوم ونحن على أعتاب مؤتمر القمة العربية والذي سينطلق في تونس قريباً في ظل ظروف صعبة تمر بها الدولة المضيفة تونس والتي كانت دائماً داعماً ومسانداً لقرارات الشرعية الفلسطينة، فهل سيجد الرئيس أبو مازن دعماً فعلياً للقضية الفلسطينية أم سيبقى دعماً وشعارات رنانة لا تزيد العدو إلا غطرسة وقوة وإعدام لكل مطلب شرعي فلسطيني، فيجد الرئيس نفسه وحيداً في مواجهة احتلال بغيض و حركة إسلامية قسمت الشعب الفلسطيني وإستباحت دماء أبنائه لتحقيق مآربها، كان قد حاول الرئيس جاهداً حقنها في ذلك الانقلاب الأسود الذي ادخل القضية الفلسطينية في صراع داخلي يعاني منه الشعب الفلسطيني الويلات إلى يومنا هذا كنت في وقتها شاهدة عليه، وبين دحلانيات ساهمت بشكل كبير في سقوط غزة بأيدي الأخوان.
فهل ستكون هذه القمة فيها قرارات وتوصيات قابلة للتنفيذ لتكون داعمة لصمود الشعب الفلسطيني ورئيسه أم ستكون كسابقاتها لقائات وصور للذكرى تحفظ في أدراج أرشيف جامعة الدول العربية؟ إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، وأنا على يقين بأن الخيار الثاني هو الأقرب لما نعيشه من واقع مخجل وضعف في قراراتنا السياسية وتبعيتنا العمياء لدول الغرب وأمريكا واحتلالنا فكرياً ومصيرياً، بالإضافة إلى الانهيار الذي ألم بأمتِّنا العربية فحتى القرارات التي كانت دائماً حبراً على ورق و بتصريحات نوعاً ما قوية اصبحت مثل مواء القطط لشبه زعماء كلٌ يغرد من عشهِ.
وسننتظر ولنرى ما ستؤول إليه الأوضاع، وسيبقى أبو مازن يصارع عدو متسلح بحزام امريكي يتحكم في وطننا العربي ويفرض عليه سياسته، وبأختصار شديد أعان الله الرئيس أبو مازن على ما ينتظره من مواجهة لأقوى قوة في العالم أمريكيا وإسرائيل، وشعب منقسم أنهكهُ الاحتلال والانقسام ودول عربية تلملم ما بقي منها بعد الربيع العربي الذي مر بها إعانه الله على مواجهة كل هذه المصائب وحيداً متسلحاً بعدم التنازل عن الثوابت الفلسطينية.