أقلام مختارة

طموحات مشعل: على الرغم من الخطاب المتشدد هل يلمّح إلى توجه سياسي؟

د. رونيت مرزان

مؤخراً، عقدت حركة “حماس” مؤتمراً عامّاً بمناسبة مرور 30 عاماً على تأسيسها. وكان هدف المؤتمر مراجعة التطورات التي مرت بها الحركة من الناحية الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية – الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، واستخلاص العبر ونظرة للمستقبل. كان هناك بين الخطباء إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، وخالد مشعل الذي شغل هذا المنصب قبله. في خطابيهما كان من الممكن العثور على خطوط متشابهة، لكن كان يوجد فارق واحد. فقد ظل هنية غارقاً في الخطاب النضالي المحلي والتكتي، بينما تبنى مشعل خطاباً وطنياً – استراتيجياً.
لم يأتِ مشعل إلى المؤتمر كي يخبر الشعب الفلسطيني بما فعلته “حماس” من أجل فلسطين، بل كي يوقظ “الجماعات الفلسطينية” للعمل من أجل فلسطين. التوصيات الثمانية التي طرحها مشعل كانت في أساسها وطنية: ثورة في مشروع المقاومة على المستوى الجغرافي وعلى مستوى أساليب المقاومة؛ إيجاد حل مبتكر للانقسام؛ إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية؛ إعادة تعريف السلطة الفلسطينية وإيجاد توازن بين حاجات المقاومة وحاجات الشعب؛ تجديد التفكير السياسي الفلسطيني بحيث يحافظ على المبادىء الوطنية لكنه يسمح بالتقدم؛ إظهار شجاعة وتغيير التركيبة البشرية للفصائل (مزيد من الشباب والنساء)؛ أسلوب تصرف (أكثر ديمقراطية)؛ إعادة المشكلة الفلسطينية إلى جدول الأعمال العربي، العودة إلى الساحة الدولية بالاعتماد على القدرات الفلسطينية في العالم وليس على أساس الصدقات؛ استراتيجيا حساسة وفعالة في أربع قضايا: القدس والأماكن المقدسة واللاجئون والمقتلَعون والمستوطنات والأسرى.
يمكن أن نرى في مجموعة التوصيات التي اقترحها مشعل عودة إلى مرحلة الصوت النضالي، لكن يمكن أن نرى أيضاً مرحلة صوت مهتم بتحريك العملية السياسية. مشعل يعي أنه لا يمكنه أن يدير ظهره لأطراف أساسية في حركة “حماس” في الداخل، لكنه يفهم أيضاً أنه لن يسمح لهم بتطويقه. التوصيات بشأن القيام بتغيير في تركيبة الفصائل الفلسطينية وإقامة توازن بين حاجات المقاومة وحاجات الشعب هدفها وقف التقدم في السن في التنظيمات ودفع الفصائل إلى وضع المصلحة الوطنية فوق المصلحة الحزبية. يمكن أن يكون لهذه التوصيات انعكاسات سلبية على ساحة النزاع، لكنها قادرة أيضاً على أن تشكل حافزاً نحو الدفع قدماً بقرارات جريئة في السياق السياسي.
مشعل لا يريد تحطيم العلاقة مع زعامة السلطة الفلسطينية ورئيسها، لأنها طرف أساسي في مواجهة إسرائيل، وفي مواجهة الدول العربية في كل تسوية إقليمية. لكنه غير قادر على أن يسمح لنفسه بالتنازل عن مبدأ مشاركة الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية وفي السلطة. وهذه المشاركة يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية لكنها تشكل فرصة للمشاركة بين مشعل وأبو مازن من أجل إجبار الفصائل على التنازل عن استقلالها التنظيمي والعملاني من أجل حكومة وحدة وطنية تقرر مسائل السلم والحرب.
لا يريد مشعل أن يدير ظهره للزعماء العرب والغربيين الذين يمكن من خلالهم فقط الوصول إلى أبواب فلسطين وأن يكون شرعياً في نظر الإسرائيليين. لكنه يعرف أنه فقط من خلال تجنيد رأس مال فكري واقتصادي وسط الشتات الفلسطيني يستطيع أن يحقق استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات الوطنية. قد يكون لذلك تداعيات سلبية، لكنه يشكل أيضاً فرصة للقيام بتسويات سياسية من موقع كرامة وطنية وليس من موقع الإحسان والرعاية الغربية أو العربية.
بقيت قضية الحصار على غزة خارج “الملفات” الأربعة التي يريد مشعل خوض معركة من أجلها، ويبدو أن هذا ليس صدفة. الكرامة الوطنية الفلسطينية هي لب النزاع، والاقتصاد الوطني المستقل هو فقط الطريق لاستعادة هذه الكرامة.

  • مقال راي من صحيفة “معاريف”
  • باحثة في السياسة الفلسطينية في جامعة حيفا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق