الجزائر ـ ـ من نهال دويب ـ بعث الشارع الجزائري، الجمعة، برسالة مباشرة لصناع القرار في البلاد تقضي برفضهم القاطع للقرارات السبعة التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة ابرزها تمديد ولاية الرئاسية الرابعة ورفضه لبقاء رموز الحكم الحاليين, ولعل ابرز ضربة موجعة تلقتها السلطة خروج عمال شركة ” الطاقة الوطنية الجزائرية سونطراك “، في مسيرات حاشدة بكل من ” حاسي مسعود ( من أهم مناطق الجزائر من الثروات الطبيعية )، وحاسي الرمل ( منطقة تتوفر على حقول كبيرة للغاز )، حاملين شعارات منددة بتمديد “رابعة” بوتفليقة وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها 18 أبريل / نيسان القادم.
وأربكت انتفاضة عمال ” عملاق النفط الجزائري ” السلطات في البلاد، حيث سارعت الشركة التي تعتبر أكبر “مجموعة بترولية وغازية ضخمة توفر الجزء الأهم من عائدات البلاد من العملة الصعبة، وتصنف ضمن كبريات شركات المقاولات على الصعيد الإفريقي ” موظفيها من أن أي تجمع أو توقف عن العمل, في سياق المظاهرات والإضرابات التي تشهدها البلاد للمطالبة برحيل النظام “، وصنفت الأمر في خانة ” الخطأ المهني”.
وتزامنا مع هذا خرج الجزائريون عن بكرة أبيهم في مسيرات حاشدة، للأسبوع الرابع على التوالي, في عموم الجزائر قبل وبعد صلاة الجمعة اليوم للاحتجاج على القرارات التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مباشرة بعد عودته من أحد مشافي جنيف بسويسرا, أبرزها تمديد الولاية الرئاسية الرابعة وتأجيل الاستحقاق الرئاسي المقرر 18 أبريل / نيسان القادم.
وصنع المتظاهرون في بلد المليون ونصف مليون شهيد مشاهد رائعة, تمكنوا حقيقة من دخول التاريخ من أبوابه الواسعة, جمعوا بين الحضارة والأخلاق والثقافة الإسلامية والغربية بشهادة الكثيرين, هبوا من كل حدب وصوب لمطالبة النظام الحالي بالرحيل, صنعوا صورا يعجز اللسان عن وصفها, لكن سينحني ومن المؤكد العالم أمامها.
وفي الجزائر العاصمة ردد متظاهرون هتافات مناهضة للسلطة مع بدء المسيرة قبل وبعد صلاة الجمعة, من أمام مبنى متحف البريد المركزي في أعالي المدينة التي شهدت تعزيزات أمنية مشددة لمنع المتظاهرين من الوصول إلى قصر الرئاسة بالمرادية, إلا أن قوات الأمن الجزائر لم تصمد أمام السيول البشرية واضطرت لفسح المجال أمام المتظاهرين الذين يصعب تقديرهم كانوا بمئات الآلاف أو ملايين المحتجين, ومنذ ولوجي في هذه الدنيا لم يسبق لي وأن رأيت شوارع العاصمة الجزائرية انطلاقا من ساحة البريد المركزي وأودان وشارع محمد الخامس وديدوش مراد وأول ماي وصولا إلى قصر الشعب بتلك المشاهد الرائعة.
شباب ونساء, شيوخ وأطفال صغار عائلات بأكملها نزلت إلى الشوارع وهي تتوشح العلم الوطني بألوانه الزاهية المرصعة بالنجمة والهلال, منددين بمراوغة السلطة والتفافها حول مطالبهم الرئيسية المتمثلة في إدراج تغيير سياسي جذري للنظام ورحيل كل المنظومة الحالية.
ولعل أبرز شيء ملفت للانتباه في هذه المسيرات مشاهد التضامن التي سيطرت على المظاهرات الضخمة التي شهدتها الجزائر والتي صنعت الحدث وبقوة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتمخضت عن المسيرات أوجه جديدة للتضامن والتآزر بين الجزائريين الذين خرجوا منذ الساعات الأولى من صبيحة اليوم عن بكرة أبيهم في سابقة لا مثيل لها, ستبقى ومن المؤكد راسخة في أذهان العالم بأسره.
جفان ” الكسكسي ” التي تزينت بخضار تعكس ألوان العلم الوطني, التف حولها المتظاهرون مباشرة بعد خروجهم من صلاة الجمعة, وطاولات ” الشاي ” الصحراوي الذي عكفت النسوة على تحضيره لسد رمق المتظاهرين رفقة الكسرة ( الخبز الجزائري ) كانت حاضرة بقوة في الشوارع أمس الجمعة.
حتى الشعارات التي رفعها الآلاف من المتظاهرين في وسط العاصمة الجزائر وعدد من المدن الكبرى في أكبر مظاهرات سلمية حاشدة منذ استقلال البلاد عام 1962 اكتست عبارات جديدة معظمها ساخرة من السلطة ورموزها على غرار ” ترحلوا يعني يترحلوا ” و ” الحرية ” و ” بيان نوفمبر يجمعنا “, ورفع متظاهرون صور مقتبسة من الرسوم المتحركة وأفلام كلينت إيستوود للتعبير عن مطالبهم.
وتعددت مظاهر التكافل واللحمة في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أربع أسابيع, وغص شباب متطوعون للإسعاف بين الأمواج البشرية التي تدفقت في الشوارع صبيحة اليوم الجمعة.
ولعل أبرز رسالة وجهها الشارع الجزائري للسلطة في البلاد رفض مجمل المقترحات التي روج لها الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي طلية الأيام الثلاثة الماضية, الذي أجرى اتصالات لإقناع عدد من كوادر الحراك بالحوار معه, وهو الطلب الذي قوبل برفض قاطع لغياب أي صفة سياسية ورسمية يحملها هذا الأخير.
واستهدف الحراك, ثلاثة وجوه سياسية دفع بها النظام لتتولى إيجاد حلول للازمة العميقة التي يتخبط فيها وفتح قنوات الحوار مع الحراك الشعبي والاتصال بالمعارضة والشخصيات المستقلة, وهي الأخضر الإبراهيمي رجل في الرابعة والثمانين من العمر, اقترح لرئاسة الندوة الوطنية المقترحة من طرف النظام, هذه الندوة لا تزال مجرد حبر على ورق, وهي تطرح أسئلة ولا تحمل أي أجوبة، وزير الخارجية رمطان لعمامرة ورئيس الحكومة نور الدين بدوي الذي أخفق رفقة نائبه لعمامرة في أول ظهور إعلامي لهما.