محمد صلاح
في العلوم السياسية لا مجال لتحليل أحداث لم تقع، أو الإجابة على أسئلة افتراضية، أو تخيل سيناريوات بديلة لقرارات لم تتخذ أو سياسات لم تنفذ، لكن في التحولات الدراماتيكية الكبرى والأحداث المفصلية، تبقى هناك تصورات سياسية عن شكل المستقبل وطبيعته إذا ما لم تتخذ قرارات اتخذت بالفعل، أو جرى تفادي تصرفات خاطئة لم يتم تصحيحها. مؤكد أن تداعيات ضخمة وصلت إلى حد تغيير خريطة المنطقة لم تكن لتحدث، لو لم يتخذ صدام حسين قرار غزو الكويت أو تراجع عنه بمجرد صدور ردود فعل غاضبة من القوى الإقليمية والدولية، وأن معضلات وأزمات وتحولات سياسية وعسكرية وجغرافية لم تكن تحدث، لو لم يعتمد أسامة بن لادن خطة الهجمات على الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2001، وأن العالم لم يكن ليشهد مداً وانتشاراً وتسرطناً للجماعات المتأسلمة لولا قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات بخروج الإخوان المسلمين من السجون، ومنحهم مساحات واسعة من الحرية لممارسة العمل السياسي والانتشار في المجتمع المصري، ومنه إلى الدول المحيطة، والبعيدة أيضاً، لمجرد أنه رأى فيهم معولاً يحارب به خصومه من الناصريين واليساريين. تلك مجرد نماذج على قرارات وسياسات وتصرفات كان العالم سيتغير، لو لم تتخذ.
بالنسبة لمصر يبقى صدام جماعة الإخوان المسلمين مع الشعب، والإصرار على البقاء في الحكم، على رغم الثورة الشعبية والاضطرابات التي تفجرت في الشوارع والاعتصامات في الميادين، وتجاهل تحذيرات الجيش بتدارك الأخطاء والاستجابة لمطالب الشعب، أمورا أطاحت بتعاطف الناس مع الإخوان فدمرت سمعة الجماعة، وكشفت عن تورط الإخوان في العنف وتفضيلهم مصالح تنظيمهم على مصالح الوطن وأمنه وتورطهم في تحالفات مع جهات معادية لمصر، وتحريضهم القوى الإقليمية والدولية على الإضرار بالشعب وتهديد الدولة. لم يتنبه قادة التنظيم إلى أن الاستقواء بدول أجنبية كفيل بضرب كل تعاطف نالته الجماعة من البسطاء، وأن حشد الأنصار في ميداني رابعة العدوية والنهضة وتسليح بعض المعتصمين وارتكاب أعمال عنف والتنسيق مع تنظيمات إرهابية أخرى، خصوصاً في سيناء للضغط على الجيش والشعب، سعياً نحو تثبيت حكم محمد مرسي وترسيخ سيطرة مكتب إرشاد الإخوان على مقاليد الأمور في مصر سيفضي في النهاية إلى خسائر لا حصر لها، بالنسبة لتنظيم ظل على مدى أكثر من 80 عاماً يتاجر بكل قضية وطنية، ويلعب على أوتار مصالح الفقراء، بكل بساطة فإن سيناريو الأحداث كان سيتغير لو استجاب الإخوان لنداء الجيش وقبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة وحل البرلمان وفضوا اعتصامهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ولم يكشفوا عن تحالفهم مع الجماعات الإرهابية، ولم يرتموا في أحضان دول لها مطامع إقليمية كقطر وتركيا. صحيح أن الإخوان وقتها كانوا سيخسرون الحكم، لكنهم لم يكن ليخسروا جزءاً من الشارع، إذ كانت فئات من الشعب ستظل تعيش في وهم نقاء الإخوان وطيبتهم وبعدهم عن الإرهاب.
كان في مقدور الجماعة أن تعود إلى صفوف المعارضة ضمن القوى السياسية الأخرى لتحتفظ بالحضور في الشارع، وتبقى على آلتها الإعلامية وكيانها السياسي وتدرس أخطاءها لتعود مجدداً، ولو بعد فترة، إلى واجهة الأحداث من دون أن توصم بالإرهاب أو السعي لهدم الدولة أو بتورط أعضاء فيها في جرائم القتل.. والحرق والتخريب!
كان خلع محمد مرسي من المقعد الرئاسي هزيمة بالنقاط بعد سلسلة أخطاء وقع فيها الإخوان علناً وأمام الناس، منذ تفجر الأحداث في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ناهيك بالطبع عن خطايا تاريخية جرى «الطرمخة» عليها أو تبريرها أو إنكارها، أما تعنت الجماعة وعنادها واختيارها المواجهة مع الشعب المصري والجيش وكافة مؤسسات الدولة، فمثّل سقوطاً بالضربة القاضية جعلت مستقبل مصر من دون الإخوان، إذ صارت عودة ذلك التنظيم إلى المشهد السياسي، ليس في مصر وحدها ولكن في دول أخرى، أمراً مستحيلاً إلا خلف أجهزة الكمبيوتر أو في شوارع الدوحة وأنقرة أو أروقة وطرقات مقار المنظمات الغربية.. والمؤسسات الأميركية!
الحياة