سمر نادر
يهلّ علينا الربيع رافلاً بأثواب الورد ، يختال خلفه غمام كثير فيه من العطر والذكريات ما يثمل القلب ، يتقدمه شلال من النور والرحمة لم يذق طعمها الاّ من غاص في قلب أم.
يطلّ على ذاكرتنا المشبعة بقصص الطفولة والشباب والكهولة مختصرا” كل معانيها بوجه الامومة الازلية العذب.
أتخيل الربيع فنانا مبدعا وربما بالحقيقة هو كذلك وأكثر، تتدفق ريشته بسحرٍ غامضٍ وأنوارٍ سخية يحدد تفاصيل لوحةٍ ولا أبهى لوجه امي ووجوه أمهات الكون كله، فيصبح بلحظة سماوية الوجه نهرا” دافقا” نشرب من بياض ونقاء اطلالته لبنا” من الحنان وعسلا” صافيا” من الطيبة ولا يغص لنا يوما” فم.
نهر تحملنا امواجه الناعمة وكلنا ثقة بأن اي اتجاه يسلكه يوصلنا الى الطمأنينة الدائمة، يعبر بنا بأتجاه الضوء فنقطع غابات وسهول وجبال وسفوح اكتشافاتنا الاولى.
النهر ذاته إن غاصت بنا شدائد الايام يتحول جسرا” يحملنا الى بر الامان فيتملّكنا ذلك الشعور الخفي وكأن يد الله ترعانا وملائكته تحفظنا.
وللربيع في بالي يدان … تشبه كفّ أمي تمسح بها على جراح القلب فتطيب ، تمسح بها على جراح الايام فتتبلسم وتشفى . كفوف الامهات طبيب ماهر لا يوصف العقاقير ، فالدواء في حكمة قلوبهن دعاء (مستجاب بالتأكيد) تصعده للسماء بلهفةٍ وشوقٍ اجواق الملائكة.
حضن الامهات مستشفى لأمراض الهموم المستعصية ضمّة واحدة تكفي للشفاء التام .
فكيف لا يفتش الربيع عن يديها وكيف لا يضيع في حضنها الدافئ؟
فم الربيع لو فاح عطره لكانت قبلة الامهات أثمن عطوره وأشذاها ، قبلة يذوب فيها جليد اليأس وينبت رجاء وأمل .
فكيف إن تفتّح على ابتسامتها ؟!
يترك الكون مداراته ومساراته ويجثو على ركبة قلبه يصلي .
ابتسامة الامهات صلاة فكم مرة يبتسم -الله- في السماء؟!؟
لو أُعطي الربيع لغةً يختار منها كلمة تعبّر عن معاني الامومة لأختار “العطاء” .
كعطر وروده الأم عطاء مجاني لا قبله ولا بعده ولا مثيل له عطاء وعطااااء.
أمهاتنا حضن وحصن لنا هنا على هذه الارض وبعدها في السموات.
أمهاتنا ربيع أبدي لا يذبل.
كل يوم أمهات الكون ربيع دائم .