السلايدر الرئيسيتحقيقات
بومبيو يستهلّ زيارته لبيروت بلقاء الرؤساء عون وبرّي والحريري… وملفّ الصراعات على مكامِن الغاز الطبيعيّ يلوح في الأفق
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ إذا كان في الإمكان التسليم جدلًا بأنّ من حقّ الولايات المتّحدة الأميركيّة أن تحدِّد سلَّم أولويّاتها السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والاستراتيجيّة وفقًا لما تستوجبه الظروف الكفيلة بالمحافظة على مصالحها وبسط نفوذها حيثما استطاعت إلى ذلك سبيلًا في العالم، فإنّ ما لا يمكن أن يقبَل التسليم إلّا يقينًا هو أنّ هذا الحقّ بات معرَّضًا للسقوط أكثر من أيِّ وقتٍ مضى في الحالة اللبنانيّة على وجه الخصوص، ولا سيّما بعدما وشَت مواقف الرئيس دونالد ترامب البارحة حيال وجوب ضمّ مرتفعات الجولان السوريّة المحتلّة للسيادة الإسرائيليّة بوجودِ نوايا مبيَّتةٍ في أوساط إدارته لتعميم مبدأ شرعنة الاحتلال في بعض المناطق الواقعة في جنوب لبنان، فضلًا عن أنّ تزامُن إطلاق هذه المواقف مع جولة وزير الخارجيّة مايك بومبيو الذي استبَق موعد وصوله إلى بيروت بتجديد التأكيد من القدس على التزام بلاده الكامل بأمن إسرائيل، حمَل على إيقاعه ما يكفي من المبرِّرات لإثارة الارتياب ممّا يُتوقَّع أن يندرج في سياق الآتي الأعظم في غمرة الخطط الموضوعة لتكريس هذا المبدأ وتحويله إلى أمرٍ واقعٍ، حيث سيتركَّز العنوان العريض على السُبل الكفيلة بالحدِّ من نفوذ محور المقاومة في الشرق الأوسط بالتأكيد، وخصوصًا إذا أضفنا إلى ما تقدَّم أنّ ما قاله الرئيس الإسرائيليّ رؤوفين ريفلين أمام بومبيو عن أنّ رئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريري لا يمكن أن يقول لأحدٍ إنّ لبنان منفصلٌ عن “حزب الله” لم يكن مجرَّد زلّةِ لسانٍ بقدْر ما عبَّر عن توجُّهٍ أميركيٍّ – إسرائيليٍّ عامٍّ من شأنه أن يضع لبنان بأكمله في مواجهة الكثير من التحدّيات والاستحقاقات الصعبة.
ومع الأخذ في الاعتبار أنّ الوزير بومبيو استهلّ زيارته لبيروت صباح اليوم الجمعة في ظلِّ مناخاتٍ تؤشِّر إلى أنّ الساحة الداخليّة اللبنانيّة لا تزال محصَّنةً بقوّةٍ على المستوييْن الرسميّ والشعبيّ ضدَّ عوارض الانقسام جرّاء أيِّ مغامرةٍ تهوُّريّةٍ خارجيّةٍ محتمَلةٍ من شأنها أن تُحمِّل البلد أكثر من طاقته في مجال التفاعُل مع شطط المصالح الأميركيّة في الشرق الأوسط، فإنّ ذلك لا يعني بالطبع أنّ التماسُك وحده سيكون كافيًا لإزالة مكامِن الخطر الخارجيّ، ولا سيّما إذا وضعنا في الحسبان أنّ العلامة الفارقة التي سُجِّلت البارحة على هامش جدول أعمال زيارة الوزير بومبيو لإسرائيل لم تنحصِر في نطاق الغزل التقليديّ المتبادَل ما بين بلاده وما بين الدولة العبريّة، ولا في إطار ذهابه إلى “حائط المبكى” بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في سابقةٍ تستهدف التأكيد على “يهوديّة” مدينة القدس، ولا في مجال وصف الدور الذي يلعبه الرئيس ترامب في مجال حماية الإسرائيليّين بالدور الذي لعبته الملكة اليهوديّة إستر عندما أحبطَت خطّةً لإبادة الشعب اليهوديّ، بل تجلَّت في فحوى المواقف التي تمَّ تسجيلها على هامشِ لقاءٍ جمَع كلًّا من نتنياهو وبومبيو مع الرئيس القبرصيّ نيكوس أناستاثيادس ورئيس الوزراء اليونانيّ أليكسيس تسبيراس، وخصوصًا لدى الإعلان عن أنّ التعاون القائم بإشرافِ وتشجيعِ الولايات المتّحدة بين إسرائيل وقبرص واليونان هو أقوى وأفضل تعاونٍ إقليميٍّ في العالم نظرًا لأنّه لا يقتصر على التنسيق الاقتصاديّ حول تسويق الغاز وإنّما يمتدّ إلى شتّى الموضوعات، بدءًا من إطفاء الحرائق وانتهاءً بالطاقة، وهو الإعلان الذي يبدو أنّ لبنان سيكون معنيًّا به بشكلٍ مباشِرٍ على خلفيّة اعتباراتٍ عدّةٍ، أهمّها أنّ الاتّفاقيّة الموقَّعة عام 2007 بين بيروت ونيقوسيا حول رسم حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة سرعان ما أدّت إلى تكبيد الجانب اللبنانيّ خسارةَ مساحةٍ مائيّةٍ بعد قيام قبرص عام 2010 بالتوقيع على اتّفاقيّةٍ أخرى مع إسرائيل لتحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بينهما، الأمر الذي لا بدَّ من أن يكون مدرَجًا على جدول أعمال لقاءات الوزير بومبيو اليوم وغدًا مع المسؤولين اللبنانيّين.
وفي هذا السياق، ينبغي التذكير بأنّ المتحدِّث الرسميّ باسم الحكومة القبرصيّة نيكوس كريستوذوليدس عندما سُئل يوم الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017 عمّا إذا كان يعتقِد بأنّ أيَّ انفجارٍ للوضع الداخليّ في لبنان يمكن أن يؤثِّر بشكلٍ سلبيٍّ على مشاريع الطاقة وخططها المستقبليّة في دول الإقليم، بما فيها جزيرة قبرص، فإنّه لم يتردَّد في الإجابة بإيجازٍ قائلًا: “ليس على هذا (القطاع) وحده فقط”، الأمر الذي سرعان ما أدّى إلى وضعِ عدّةِ فرضيّاتٍ حول الأسباب التي دفعته إلى الإعلان على الفور عن أنّ الرئيس أناستاثيادس يعتزم السعي إلى طرحِ مبادرةٍ من أجل تسوية الأزمة اللبنانيّة، ولا سيّما أنّ هذا الكلام جاء بعد مرورِ يومٍ واحدٍ فقط على التوقُّف المفاجىء لرئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريري في مطار لارنكا الدوليّ، قادمًا من القاهرة، وقبلها من باريس، في أعقاب تجاوُز قطوع “أزمة احتجازه” في المملكة العربيّة السعوديّة، حيث اجتمع مع الرئيس أناستاثيادس لمدّة خمسٍ وأربعينَ دقيقةً قبل عودته المقرَّرة إلى بيروت، وهو اليوم الذي كان الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي قد غادر فيه المطار نفسه عائدًا إلى بلاده إثر انتهاء فعاليّات الدورة الخامسة للقمّة الثلاثيّة التي جمعته في نيقوسيا مع كلٍّ من نظيره القبرصيّ ورئيس الوزراء اليونانيّ أليكسيس تسيبيراس، والتي جرت العادة على أن تُعقَد سنويًّا في إحدى عواصم الدول الثلاث منذ عام 2014.
وإذا كان الغرض من وراء هذا التذكير يتمثَّل في وجوب الإضاءة على ما باتت تحظى به مصادر الطاقة، ولا سيّما الغاز الطبيعيّ، من أهمّيّةٍ بالغةٍ في حسابات الدول على كافّة الصُعد السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والاستراتيجيّة، فإنّ الوزير بومبيو، وإنْ كان قد توَّج نشاطاته اليوم في بيروت بزياراتٍ قام بها لكلٍّ من رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، ولكنّ الحُكم النهائيّ على مدى نجاحه أو فشله في إحداثِ أيِّ خرْقٍ مرجوٍّ أميركيًّا، لصالح إسرائيل، على الساحة الداخليّة اللبنانيّة، سيُترَك إلى حين انتهاء الزيارة غدًا السبت، ومن ثمّ عودته إلى بلاده غانمًا أو مغنومًا… والخير دائمًا في تماسُك اللبنانيّين أمام التحدّيات والاستحقاقات الصعبة من وراء القصد.