شرق أوسط

مصير الإدارة الذاتية الكردية في سوريا مهدد بعد انهيار “الخلافة”

ـ بيروت ـ على مدى أربع سنوات، قاتل الأكراد بشراسة تنظيم داعش بدعم من الأميركيين، لكنهم اليوم وبعد انهيار “الخلافة الإسلامية” وقرار واشنطن سحب قواتها من مناطقهم، يخشون على مصير إدارتهم الذاتية بعدما عملوا لسنوات على ارسائها.

ويواجه الأكراد تهديدات تركيا المتواصلة بشن هجوم جديد ضد وحدات حماية الشعب الكردية قرب حدودها من جهة، وتعنّت النظام السوري الراغب بانهاء وجود إدارتهم واستعادة السيطرة على كامل البلاد من جهة ثانية.

وتصاعد نفوذ الأكراد تدريجياً في سوريا بعد اندلاع النزاع في العام 2011. وتمكنوا من تأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن مؤسسات عامة والتدريس باللغة الكردية. وأجروا انتخابات محلية في مناطق الإدراة الذاتية.

وفي محاولة لقطع الطريق على تهديدات تركيا، خاض الأكراد منذ الصيف مفاوضات مباشرة مع دمشق، لم تفض إلى نتائج ملموسة بعد في ظل تباين وجهات النظر واصرار دمشق على استعادة مناطقهم عبر المفاوضات أو الحسم العسكري.

ويقول الأستاذ الجامعي والخبير في الشأن السوري فابريس بالانش لوكالة فرانس برس “سيجد الأكراد أنفسهم عالقين بين سندان الجيش السوري ومطرقة الأتراك” مرجحاً أن يصار إلى “تقاسم شمال شرق البلاد بين الحكومة السورية والجيش التركي”.

ويبدو مستقبل الأكراد مهدداً اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته الداعمة لهم من شمال شرق سوريا، والتي شكلت حتى الآن رادعاً أمام أي هجوم تركي، رغم أنه لم يجر بعد تحديد موعد الانسحاب.

وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية السبت القضاء التام على “خلافة” تنظيم داعش، التي ضمت في العام 2014 مناطق شاسعة في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا.

 “مصير مجهول”

ويرى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو أن “الأكراد يواجهون اليوم مصيراً مجهولاً”، مشدداً على أن “الخطر الأكبر يأتي من تركيا”.

ويخشى الأكراد أن يشكل الانسحاب الاميركي ضوءاً أخضر لتركيا، خصوصاً مع تكرار أنقرة تهديداتها. ولحماية مناطقهم ومكتسباتهم، يجري مسؤولون أكراد منذ أشهر محادثات ولقاءات مع أطراف عدة، أبرزها زيارة الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد إلى واشنطن حيث التقت ترامب.

وفي محاولة لتهدئة الوضع بين حليفيها، اقترحت واشنطن إنشاء “منطقة آمنة” بعمق ثلاثين كيلومتراً على طول الحدود بين الطرفين، تتضمن أبرز المدن الكردية. رحبت أنقرة بالاقتراح لكنها أصرت في الوقت ذاته على أن تدير تلك المنطقة، الأمر الذي رفضه الأكراد بالمطلق، مطالبين بانتشار قوة دولية.

ويوضح جيفير أوغلو أن “غالبية المدن الكردية تقع عند الحدود مثل منبج وكوباني وتل أبيض والدرباسية والقامشلي”.

وتخشى أنقرة حكماً ذاتياً كردياً قرب حدودها، وتصنف وحدات حماية الشعب الكردية منظمة “إرهابية” وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.

وتمكنت تركيا مع فصائل سورية موالية لها إثر هجوم واسع العام الماضي من السيطرة على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية. لكن شن هجوم جديد لا يبدو اليوم بهذه السهولة، مع وجود لاعبين دوليين فاعلين في سوريا وعلى رأسهم روسيا، أبرز حلفاء دمشق.

ويقول جيفير أوغلو “موقف روسيا حاسم. ويدرك الأكراد جيداً أن ما حصل في عفرين كان نتيجة ضوء أحضر من (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”.

ويضيف “بالنسبة إلى بلد في حالة حرب، فإن النموذج الذي وضعه الأكراد مناسب ويعمل بطريقة جيدة”، موضحاً أن ما يريدونه هو أن “يحصلوا على اعتراف بنظامهم السياسي ومنهجهم التعليمي”.

 “استسلام بلا شروط”

قبل اندلاع النزاع، عانى الأكراد على مدى عقود من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتلاحقة، وتضمنت سحب الجنسية من عدد كبير منهم، ومنعهم من تكلم لغتهم أو الاحتفال بأعيادهم.

وخلال النزاع، حملت دمشق على الأكراد منتقدة تحالفهم مع واشنطن، حتى أن الرئيس بشار الأسد اتهم المقاتلين الأكراد بـ”الخيانة”، قبل أن يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر: المفاوضات أو الحسم العسكري. وكرر وزير الدفاع السوري في 19 آذار/مارس تأكيده أنه سيتم سيتم التعامل مع قوات سوريا الديموقراطية “بالأسلوبين المعتمدين من الدولة السورية: المصالحات الوطنية أو تحرير الأراضي التي يسيطرون عليها بالقوة”.

ورجح محللون أن يدفع قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، الأكراد إلى تعزيز تفاوضهم مع الحكومة السورية كحل بديل يحميهم من أي هجوم تركي. إلا أن المفاوضات مع دمشق تبقى صعبة مع رفض الأخيرة لمبدأ الإدارة الذاتية، مقابل إصرار الأكراد على الاحتفاظ بمؤسساتهم وقواتهم العسكرية التي أظهرت فعالية في قتال تنظيم داعش.

ويقول بالانش “يريد النظام استسلاماً من دون شروط، لن تسمح لهم دمشق بالإبقاء على الإدارة الذاتية” بينما يملك الأكراد “ورقة ضغط واحدة، وهي أن يقبل الأسد بالإدارة الذاتية مقابل الانتشار السريع للجيش على الحدود السورية التركية”.

وفي هذا السياق، لا يزال لدى الأكراد أمل آخر وهو أن يبقي الأميركيون وجودهم في سوريا حتى لو بالحدّ الأدنى.

وبعدما أعلنت واشنطن قرارها بإبقاء نحو مئتي جندي أميركي في سوريا، في مهمة “لحفظ السلام”، عاد ترامب ليؤكد في 20 آذار/مارس أنّّ نحو 400 جندي سيبقون في نهاية المطاف “لبعض الوقت”.

ويرى الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس لفرانس برس أنه “يمكن للولايات المتحدة ألا تغادر سوريا” على المدى المنظور.

ويشير خصوصاً إلى خيار آخر يتضمن الإبقاء على عسكريين من التحالف الدولي، ومتعاقدين عسكريين من شركات خاصة.

وفي وقت سابق، حذّر مسؤولون أميركيون أنه من شأن أي تخل تام عن المنطقة، أن يسهم في إعادة ظهور تنظيم الإسلامية مجدداً.

ويضيف هيراس “تدرك كافة الأطراف الفاعلة أنه لا يمكن الإقدام على أي خطوة قبل أن تتضح ماهية القرار الذي ستتخذه الولايات المتحدة”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق