ليلى العياري
في زيارة خاطفة إلى بيروت، مدينة الحب و السلام، وبعد أن أنهيت التزامي العملي قررت أن اكتشف قليلاً من تلك المدينة الساحرة التي حلمت كثيراً بزيارتها و قلت في نفسي يجب أن إختلي قليلاً مع نفسي برفقة معالمها و استمتع بجمالها واستنشق قليلاً هواءها المنعش.
وطبعاً، البحر في بيروت لا يقاوم، وكما قال الشاعر أدونيس ذات يوم : ( لو أن البحر يشيخ لاختار بيروت ذاكرة له) فذهبت من فوري لأستمتع بمنظر البحر الجميل و استنشق رائحة اليود التي تنبعث في الجوار فتنعشني مع نغمات ارتطام الموج بالصخور .
وجدت أحد المقاعد الخشبية شاغراً فجلست أستمتع بجمال المكان و أُمنّي نّفسي بزيارة أخرى تكون مدتها أطول ليتسنى لي اكتشاف عبق تاريخ تلك الاماكن الرائعة .
أغمضت عيناي ربما لأخْبى بيروت بين جفوني وفجأة سمعت صوت ملائكي يهمس قريباً من أذني:
”تشتري وردة؟” فتحت عيناي لأرى أمامي وردة تبيع الورود، وفور أن تأملت الورود الذابلة تيقنت أن عملية البيع ليست إلا غطاء للتسول تمارسه هذه البنت الصغيرة.
فأجلستها بجانبي و بدأنا نتسامر، فارتاحت لي وبدأت بالحديث معي لتحدثني عن فقدانها لوالديها وعيشها مع عمها وأخوتها و مغادرتهم قريتهم في سوريا ليستقروا في بيروت وبظروف نوعاً ما سيئة لتضطر للعمل في بيع الورود مع أخوتها في شوارع بيروت .
لست هنا لأسلط الضوء على حالة إنسانية للصبية الحلوة “ملك”، فبعد ذلك اكتشفت العديد مثل “ملك” منتشرون بالشوارع و أوضاعهم متشابهة.و ربما ما حكته لي من مأساة ليس أكثر من قصص غير حقيقية تم تلقينها لها ولغيرها من الأطفال المتسولين ليستعطفوا المارة والعابرين.
و لكني هنا أكتب لأسلط الضوء على قنابل موقوتة، اليوم هم اطفال وحالياً هم ضحايا أهاليهم قبل أن يكونوا ضحايا لأي شيء آخر.
هل فكر أحد ما هو المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الأطفال، وما هو البناء الفكري والعقلي والنفسي الذي ستتأسس عليه شخصياتهم؟
وتلك المنظمات العديدة التي تعمل بعنوان حماية الطفولة، هل تبحث فعلاً عن حلول جدية لرعاية هؤلاء الصغار أم هي فعاليات يتم عقدها في فنادق الخمس نجوم وانتهت المهمة بذلك وحسب؟
هذا الطفل أو الطفلة الذي يقضي ليله يتجول في أشد الليالي برودة معرض للتحرش الجنسي معرض لشتى أنواع العنف، هو الآن نراه ضحية، ضحية مجتمع و ضحية الدين قبل أي شيء آخر ، و لكن حالات الرعب التي لمستها بأعينهم تعكس خوفهم ولا وصف لذلك يفيه حقه.
و لكن أن تطرقنا الى هذه الآفة من الناحية الأخرى بعد عشر سنوات كيف سنجدهم هل ستبقى نظرتنا إليهم كضحايا و هل سيتعاملون معنا بذلك الخوف بأعينهم و هل سيستعطفون منا لمسة حنان؟
طبعاً – ولنكن صريحين- فبعد عشر سنوات نحن من سيخافهم ونحن من سيستجدي رحمتهم لأنه وقتذاك سنكون نحن ضحاياهم و سننظر إلبهم كمذنبين .
فأن لم تتكاتف الجهود من الحد من هذه الظاهرة الخطيرة إذن فلنجهز أنفسنا لتضاعف عدد الإرهابيين والمنحرفين .
اُتخذت مثال الأطفال السوريين ولكنها آفة منتشرة في بلدان العالم وكأنها مافية عالمية تسعى الى تدمير الطفولة .
فماذا ننتظر من طفل صفعه البرد وصفعته السنتنا قبل أيدينا فلا أحد رحم ضعفه ولا تفهم طفولته العاجزة، لهذا عندما يشتد عوده لن يرحم المجتمع الذي سرق طفولته و حول احلامه الى كوابيس .
الآن سأسمح لنفسي بعمل مقارنة بسيطة لن اتعمق فيها كثيراً حتى لا يتهمني البعض بالانحياز لطرف ضد اخر و لكن ما يهمني أولاً وأخيراً كناشطة في المجتمع المدني هو هؤلاء الأطفال الآن .
الفلسطينيون و عندما هجروا من قراهم و مدنهم و استوطنوا المخيمات جعلوا في كل خيمة مدرسة و احتضنوا ابنائهم و علموهم بالقليل الذي كان بين أيديهم وأفرزت المخيمات أجيال من المتعلمين و المثقفين الذين ساهموا بشكل كبير في نمو الدول الخليجية و بنائها و اعتلوا أعلى المراتب في كل دول العالم.
لجأت لهذه المقارنة حتى لا يتخذ البعض هذه الظاهرة على أنها نتيجة الظروف التي تمر بها سوريا .فالمسؤولية الأولى تقع على عاتق الأولياء والأهل، و لكن عندما تحل الكارثة ستكون على الجميع .
لهذا يجب أن تتكاتف الجهود للحد من هذه الظاهرة التي سأتبناها شخصياً وادعوا كل المهتمين للتعاون حتى نمنع انفجارها بعد سنوات .