أحالت الحكومة قبل انتهاء الدورة الاستثنائية لمجلس النواب حزمة من القوانين، يتوقع ان ترفع من سخونة اجواء الدورة البرلمانية العادية، وتخلق جدلا غير مسبوق في الحياة العامة.
إذا ما استبعدنا مشروع قانون ضريبة الدخل الاشكالي، والذي لم يتوافق حوله مكوناته المجتمع، فان رئيس الحكومة عمر الرزاز تعمد ان يرسل مشروعين معدلين لقانون الكسب غير المشروع والنزاهة ومكافحة الفساد يمكن القول بانهما يعززان الادوات الرقابية لمكافحة الفساد، وهو بذلك يوجه رسالة للجميع بان مشروع قانون الضريبة ليس نهاية المطاف، وان هناك ارادة حاسمة بتغيير النهج وتحقيق اصلاح اقتصادي وسياسي بالتزامن، وان المطلوب الصبر على الحكومة، والتريث حتى تشرع بتنفيذ برنامجها.
هل سيقنع هذا التوجه الناس ويخفف من الاحتقانات المجتمعية خاصة وان الدورة البرلمانية القادمة ستناقش تعديلات مقترحة على قانون الجرائم الالكترونية؟
اؤيد أي تعديلات تعزز منظومة النزاهة والشفافية، ولي تحفظات على مشروع قانون ضريبة الدخل، وسأركز بالتفصيل على مشروعي تعديل قانون حق الحصول على المعلومات والجرائم الالكترونية.
تعديل قانون حق الحصول على المعلومات ليس جديداً، فالحكومة ارسلت هذا التعديل منذ 2011 متضمنا تعديلات ايجابية تختصر وقت الاجابة على طلبات المعلومات الى 15 يوماً، وتوسع عضوية مجلس المعلومات، وتفتح الحق في الحصول على المعلومات لغير الأردنيين.
منذ ذلك الحين قلنا انها تعديلات ايجابية ولكنها غير كافية، فالعلة في القانون الذي أُقر في 2007 وكان الاردن سباقاً به في العالم العربي، كانت فيه حزمة قوانين وأبرزها قانون وثائق واسرار الدولة، وهي قوانين تجاوزها الزمن وتفرض نطاقا واسعا من السرية لم يعد ممكنا ومقبولا اليوم، وتتناقض مع جوهر حق الحصول على المعلومات الذي هدف له المشرع في القانون الساري.
الامر الاخر الاستثناءات الواسعة الواردة في القانون وتقيد الحق ان لم تلغه، وأخيرا ربط حق الحصول على المعلومات بالمصلحة المشروعة لطلبها، وهذا يناقض كل المبادئ بحق المجتمع بالمعرفة، ولم يتبع في اي تشريع دولي لتعزيز الشفافية والافصاح.
جيد ان تلتفت الحكومة لإقرار هذه التعديلات، بعد ان ظل حبيس ادراج النواب لسنوات، وكان الافضل لو تم سحبه والعودة بتعديلات جذرية تحسن قوته لضمان انفاذ هذا الحق.
المجلس الاقتصادي الاجتماعي اخذ على عاتقه مناقشة قانون حق الحصول على المعلومات، وتبنى ان يرسل للحكومة تصورا بآراء الخبراء في التعديلات الضرورية، وان اعتمدت الحكومة المواد المقترحة للتعديل واخذ النواب بها ربما نكون امام قانون جديد داعم للشفافية وحق المعرفة، ويقطع الطريق على الشائعات.
هذا بخصوص معدل قانون حق الحصول على المعلومات، اما مقترح تعديل قانون الجرائم الالكترونية فهو يعصف بحرية التعبير والاعلام معاً.
حكومة هاني الملقي الراحلة بدل ان تلتزم بإلغاء المادة 11 من القانون والتي تسببت بقرارات التوقيف والحبس بحق الصحفيين والنشطاء على السوشيال ميديا، قدمت تعديلاً جديداً يركز على خطاب الكراهية، رغم وجود مظلة تشريعية كافية لملاحقة هذا الجرم ان وقع، وتحديداً في قانون العقوبات.
بالتأكيد نحن ضد خطاب الكراهية، وضد التمييز والحض على العنف، ولكن ما هو الخيط الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، وكيف نضمن ان لا يتحول التشريع لأداة تقييد لمستخدمي حقهم بالتعبير والاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي.
تعريف خطاب الكراهية الذي اعتمده مشروع القانون خطير، ويعيد انتاج المادة 150 من قانون العقوبات، والاهم انه غير منضبط، ولا يأخذ بالمعايير والتوجهات الدولية في هذا الشأن.
العالم يناقش مشكلة خطاب الكراهية منذ سنوات، فالقضية ليست شأنا محليا يعاني منه الاردن وحده، ولهذا اعتمدت منظمة المادة 19 “مبادئ كامدن “، واكملت المفوضية السامية لحقوق الانسان فأقرت خطة الرباط بعد سلسلة اجتماعات لخبراء من دول العالم، والمشكلة اننا بعد كل ذلك نذهب باتجاه مخالف، ولا نراعي في التعديل المقترح صيانة حقوق الانسان.
الكارثة الكبرى تغليظ العقوبات لجريمة خطاب الكراهية ابتداء من سنة سجن وحتى ثلاث سنوات، وغرامة من 5 الى 10 آلاف دينار.
اذا قبلت الحكومة بمرور مثل هذا القانون بصيغته المعروضة فيكون لديها حالة انفصام، فمن جهة تريد اخراج قانون جيد لحق الحصول على المعلومات، ومن جهة اخرى تهدر حرية التعبير بقانون الجرائم الالكترونية، “وكأنك يا بوزيد ما غزيت ” ؟
لا اعرف ما هي العبقرية في اقرار قانون لضريبة الدخل مثير للجدل، ونكمل الازمة بتعديل قانون الجرائم الالكترونية.
بصراحة ” هواتين بالراس بتوجع “!
الغد الأردنية