جويس كرم
بتغريدة ومرسوم وربطات عنق متطابقة مع ضيفه الإسرائيلي وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام بنيامين نتانياهو بداية الأسبوع على منح السيادة الإسرائيلية فوق هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وفشلت سوريا في استعادتها في 1973، وألحقتها الدولة العبرية بأراضيها في 1981.
من حسن حظ الرئيس الراحل حافظ الأسد أنه ليس بيننا اليوم لرؤية هذا المشهد. قاد الأسد الأب معارك الجولان، وبنى عليها جزءا كبيرا من صعوده السياسي ومناوراته الخارجية في التفاوض مع الروس والأميركيين حول استعادة الجولان حتى اللحظات الأخيرة. قبل ثلاثة أشهر من وفاته في حزيران/يونيو العام 2000، أصر الأسد الأب أمام بيل كلينتون في جنيف أنه يريد استعادة الهضبة بالكامل وأن يسبح في بحيرة طبريا. أين سوريا اليوم من مفاوضات رئاسية مع واشنطن؟ وأين هي من بحيرة طبريا؟
قرار ترامب يضرب بعرض الحائط الأعراف الدولية لكنه ما كان ليكون ممكنا لولا الحال التي وصلت إليه سوريا، والتراجع المستمر دبلوماسيا ودوليا منذ وفاة الأسد الأب وصولا إلى حالة التمزق اليوم والتي تجعل إرث ما قبل العام 2000، صفحة من الماضي. يدرك ترامب، وهو رجل أعمال، معادلة الضعيف ضد الأقوى، وما معناه أن يجد اللحظة المناسبة لينقض على الضعيف سياسيا كما ينقض أصحاب رأس المال على منافسيهم عند اشتمام ضعفهم. هذه اللحظة هي نتانياهو مقابل بشار الأسد في الجولان، وحسابات ترامب أن الفوائد من قراره تفوق على المخاطر بسبب التضعضع السياسي والعسكري والاقتصادي للنظام السوري ووجود مبررات كافية لإغراء نتانياهو وإسرائيل.
لم تتم مناقشة مرسوم البيت الأبيض حول الجولان مع كبار الدبلوماسيين الأميركيين، بل جاء من دائرة صغيرة حول ترامب تقود اليوم الملف الإسرائيلي وتبني رؤيتها على ضرورة الإقرار بمعطيات جديدة على الأرض تخدم مصلحة إسرائيل. من هنا فإن معادلة “الأرض مقابل السلام” التي رسختها اتفاقية كامب ديفيد منذ 40 عاما وبعدها مؤتمر مدريد، ليست أولوية لدى فريق ترامب. الأمن ومحاربة الإرهاب والورقة الاقتصادية في غزة هي بنفس أهمية أو في بعض الأحوال أهم من الأرض في خطة السلام الموعودة. وسياق الخطة لا يشمل سوريا، مما يعني أن قرار ترامب لم يأخذ الكثير من النقاش داخل الفريق بسبب قناعتهم بأن إسرائيل ليست بوارد إعادة الجولان.
فموقع الجولان الاستراتيجي، وموارده المائية، وكنقطة سياحية كلها مبررات لإسرائيل لضمه، أما وجود حزب الله في الجنوب السوري، والانسحاب التدريجي للأميركيين من سوريا إلى جانب الانتخابات الإسرائيلية ساعدت في إصدار القرار. فترامب بإعطائه السيادة لإسرائيل فوق الجولان وهو ينسحب من سوريا، يعطيها أيضا الغطاء الدفاعي والأمني في حال تعرضها لهجوم أو اشتباكات على الخط الحدودي. وهو أيضا يعطي نتانياهو دفعة أخيرة في الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/أبريل المقبل لتشكيل التحالف الحكومي المقبل. فالتقارب بين رؤية الرجلين في ملفات إيران، والتعاون الاستخباراتي، والنظرة الإقليمية المشتركة، تزيد من رهان ترامب على نتانياهو. هناك أيضا الصوت الإنجيلي في الولايات المتحدة، وهو ما سيحصل عليه ترامب مع أو بدون هضبة الجولان، بسبب سياساته الداخلية وقضاة المحكمة العليا والامتيازات الدينية.
بالنسبة للمنطقة، قرار ترامب يستدعي مراجعة لما أنتجته 19 سنة من سياسات الأسد الابن في سوريا وما قد ينتظر الفلسطينيين في المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية في حال قرر ترامب الاعتراف بها أيضا. فمن “وديعة رابين” إلى مرسوم ترامب هناك غياب استراتيجي وتفتت في الصف العربي استخدمته واشنطن وتل أبيب لنقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالجولان. هذا القطار لن يتوقف من دون استراتيجية عربية للسلام ورؤية مفصلة تعيد الأولوية عربيا لملف المفاوضات، بدل البكاء على الأطلال وتعداد الخسارات والتهويل بالشعارات منذ 1948.