السلايدر الرئيسيتحقيقات

هل ستتمكن موسكو من منع تكرار السيناريو السوري في فنزويلا؟

علي الخطايبة

ـ موسكو ـ من علي الخطايبة ـ أثار هبوط طائرتين روسيتين إحداهما عسكرية وأُخرى مدنية في مطار بضواحي العاصمة الفنزويلية كاراكاس وعلى متنهما نحو 100 من أفراد الجيش الروسي تساؤلات لدى العديد من وكالات الأنباء العالمية حول امكانية أن تتغير الأوضاع المتأزمة أصلا في فنزويلا والتي تقف على حافة كارثة اقتصادية، وتتطور إلى حرب أهلية وتصبح البلاد مسرحا جديدا للمواجهة العسكرية الإقليمية والدولية.

وتشير بعض وسائل الإعلام الغربية إلى أن المجموعة العسكرية الروسية التي وصلت إلى فنزويلا نهاية الأسبوع الماضي لم تكن الأولى ولكن هذه المرة لم تدحض روسيا الواقعة، فقد أكد مصدر دبلوماسي في السفارة الروسية لدى فنزويلا أن الطائرتين هبطتا في مطار “سيمون بوليفار مايكيتيا” الدولي بالقرب من كراكاس، وأن الضباط الروس جاؤوا لتقديم استشارات عسكرية في إطار اتفاقيات عسكرية وقعت بين البلدين في عهد الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.

في الضروف الطبيعية، يبدو أن وصول هذا العدد من العسكريين أمرا لا يستدعي كل هذه التساؤلات ومن الممكن أن لا يلفت خبر قددومهم انتباه القراء كثيرا، لكن ما لا يطمئن المراقبون وينذر بالخطر خصوصا في الولايات المتحدة هو التوقيت بحد ذاته، ففي الوقت الراهن تنقسم فنزويلا منذ شهرين كما هو معروف إلى معسكرين، وهذا الانقسام يهدد باندلاع أعمال عنف يصعب السيطرة عليها قد تتطور وتفضي إلى نشوب حرب أهلية لا تحمد عقباها.

وتولد الانقسام على خلفية قيام رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو بالطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية وأعلان نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد بدلا من الرئيس الحالي نيكولاس مادورو الذي يدعمه الجيش والقوى الأمنية الأكثر دخلا وامتيازات، وتعترف به روسيا والصين وتركيا وإيران ودول أخرى.

بينما تعترف الولايات المتحدة وكندا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية بزعيم المعارضة غوايدو، ما أدى إلى اتخاذ الأزمة القائمة أصلا في فنزويلا منذ تولي مادورو الحكم خلفا لشافيز أبعادا دولية، وفُتح الباب على مصراعيه أمام واشنطن وحلفاؤها في المنطقة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

وانتقدت روسيا التي تملك استثمارات ضخمة في فنزويلا وتعاون كبير في مجال الطاقة، بشدة وعلى أعلى المستويات اعتراف الولايات المتحدة ومن تلاها بزعيم المعارضة بهذه السرعة رئيسا لفنزويلا بدلا من الرئيس مادورو المنتخب لمجرد أنه وقف في إحدى ساحات كاركاس وسط مناصريه وأعلن أنه الرئيس المؤقت للبلاد إلى حين إجراء انتخابات جديدة.

كما اعتبرت أن ما قام به غوايدو هو محاولة للانقلاب على السلطة الشرعية، وأنها لا تعترف إلا بمادورو رئيسا شرعيا للبلاد، وأن الخلاف على نتائج الانتخابات هو شأن فنزويلي داخلي لا يحق للولايات المتحدة التدخل فيه، وهذه التصريحات ترجمتها موسكو إلى فعل عندما حاولت الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات عقابية ضد الحكومة الفنزويلية في مجلس الأمن الدولي، واستخدمت حق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار الذي تقدمت به واشنطن.

واتخذت الصين نفس الموقف الروسي من الأزمة الفنزويلية، وشددت على عدم التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لفنزويلا، وأعلنت وقوفها إلى جانب مادورو، ولكن بصوت ليس عال وبعد حين على عادتها في إدارة سياساتها الخارجية.

وعلى ضوء الإنقسام والتوتر القائم في فنزويلا، ثمت سينورهات متعددة للتدخل الأجنبي في حرب أهلية محتملة في البلاد، فمن الوارد أن تتدخل واشنطن عسكريا وبشكل مباشر من أجل تثبيت حليفها المُعارض غوايدو في السلطة بعد الإطاحة بحكومة مادورو، ولذلك تسابق موسكو الزمن وتعزز وجودها العسكري هناك وتدعم الجيش الفنزويلي بالسلاح والخبراء العسكريين من أجل وضع خطط عسكرية لإحباط أي تدخل عسكري أمريكي محتمل، يهدف إلى إسقاط الحكم في فنزويلا على غرار الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أطاح بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لن يُقدِم في حال الوجود العسكري الروسي في فنزويلا على اجتياح البلاد عسكريا لعدة أسباب أهمها، عدم رغبته بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع فنزويلا المدعومة بالخبراء العسكريين الروس والسلاح والصواريخ الحديثة، فضلا عن الطائرات الروسية المقاتلة التي تمتاز بجهوزيتها العالية، والأمر الأهم بالنسبة لترامب أن لا يحصل أي اهتزاز لهيبة الولايات المتحدة العسكرية، فبمجرد إسقاط طائرة إف -35 واحدة سيسقط خلفها حلمه في الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السنة القادمة.

ولذا فمن المرجح أن يلجا البيت الأبيض إلى الخيار الدبلوماسي في حل الأمة الفنزويلية من خلال عرض مبادرة مصالحة على طرفي الخلاف وبمساعدة دول أخرى ومن ضمنها روسيا والصين، تتضمن تخلي غوايدو عن إعلانه وعودته لممارسة مهامه كرئيس للبرلمان، وبقاء مادورو على رأس السلطة على أن يتم تحديد موعد لانتخابات مبكرة تحت رقابة دولية، تكون نتائجها مُلزمة للجميع وبضمانات دولية.

أما السيناريو الأسوأ وغير المستبعد والمشابه لما جرى في سوريا، هو أن تواصل واشنطن دعمها لغوايدو وتستمر احتجاجات المعارضة، ويبدأ الجيش الفنزويلي الموالي لمادورو الذي سيتمسك بالسلطة إلى آخر لحظة بقمع الاحتجاجات، وتتطور الصدامات بين المعارضة والجيش إلى مواجهات دامية، يضطر على إثرها غوايدو أن يتزعم ميليشيات مسلحة معارضة مدعومة من الولايات المتحدة تقاتل ضد الجيش وتسعى للسيطرة على مناطق حدودية مع دول الجوار من أجل تدخل قوى إقليمية موالية لواشنطن، في الوقت الذي ستحارب فيه الأخيرة بالوكالة، وتبدأ تصفية الحسابات الطويلة والمملة على الأراضي الفنزويلية بين مختلف القوى الدولية والإقليمية على حساب دماء الشعب الفنزويلي وحاضره ومستقبله تماما كما حصل ولا يزال في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق