بكر عويضة
إذا كنت تغلق باب بيتك، بعد انقضاء نهار عمل شاق، وليس ثَمّ ما سوف يحول بينك وبين التحلّق مع أهلك حول مائدة عشاء، ثُم طفق جمعكم يتبادل أطراف الحديث في خاص شؤون بيتكم، وبعض ما يحدث بأطراف الأرض وأقاصي الكوكب، كما غيركم من عَوام الناس والخواص، بلا إحساس قلق، أو خوف يسري بينكم، فأنت إذنْ، وأهلك كلهم، من قوم محظوظين في عالم مخيف بات يصبح كل يوم، بعدما يلج النهارُ الليل، على مبرر لمزيد من هواجس خوف تنتاب غير مجتمع، قد يختلف النهج الموصل إليها، وتتنوع أسباب نشوئها، بيد أنها تجتمع عند أمرٍ أقلق البشر كافة، مذْ كان الخلق، ثم إنه باق حتى أجل غير معلوم، ألا وهو غياب شعور الأمان، وتمدد أحاسيس الخوف، إلا إذا أُخِذ بأسباب نزع فتيل الحريق، قبل أن يلتهم يابس الحجر، وأخضر الزرع.
حقاً، يكفي المرء أن يبصر، بشيء من إمعان النظر، كيف تُدار أشياء كثيرة، في مختلف أنحاء العالم، كي يتعاطف، بلا كثير تردد، مع كل من تُراود النفس منه أحاسيس خوف. خذ، مثلاً، إذا كنت تهيئ أطفالك لنهار مدرسي جديد، وأصبح ضمن قائمة واجبات كل صباح، التأكد من وجود مسدس، أو أي سلاح، في السيارة، تماماً مثل الاعتناء بملبس الأطفال والكراريس والشطائر. عندما تغدو هكذا طقوس جزءاً من أول النهار، في معظم مدن الولايات المتحدة الأميركية، وقراها، إضافة إلى عواصم وبلدات في أماكن عدة من العالم، أليس من الجائز، حينئذ، التساؤل: ما الذي يفرّق في الخوف بين تلك الأماكن، وغيرها، وبين بلاد وأوطان ابتُليت بحروب اشتعلت بين أهلها أنفسهم؟
هنا، في المملكة المتحدة، يتزايد شكل مختلف من أشكال الخوف يعبّر عنه تساؤل بدأ أخيراً يطل على نحو أكثر إلحاحاً من قبل: إلى أين سوف تأخذ دوامة «بريكست» بريطانيا والبريطانيين؟ بصرف النظر عما صوّت له نواب مجلس العموم مساء أول من أمس (الاثنين)، واضح أن هذا البلد يبدو مثل الواقف في مهب الريح على قمة جبل، السماء من فوقه وماء المحيط تحته، ليس يدري إلى أين ستلقي به الأقدار. الخوف من المجهول الآتي ليس بالهيّن. يعرف ذلك كل مَن مر بتجربة انتظار يتوقف على انقضائها مصير شأن ما في رحم الأقدار. ألم يعايش كل تلميذ أو طالب هيبة الجلوس في مقاعد الاختبار، وإذ انقضى الامتحان بدا الأصعب هو التعايش مع المخاوف في انتظار إعلان النتائج؟ بلى. وهكذا هي حال خامس أقوى اقتصاد في العالم. بلد يتخبط في لجج حيرة خوف من رياح المستقبل، الأرجح أنها ستبقى معه ردحَ زمنٍ، قد يطول أو يقصر، لكنه سيخلّف من الأثر ما يبرر مخاوف البريطانيين، ومعهم الأوروبيون في بلدهم، وكذلك مواطنو بريطانيا في أوروبا.
حدثني صديق، قال إنه استمع ظهر الجمعة الماضي إلى خبير أمن بريطاني مختص، خاطب الجالسين أمامه، وفي الصف الأول منهم خطيب جامع بإحدى بلدات ريف بريطانيا، فطمأنهم أنه بعدما فحص مبنى المسجد من جهة المدخل على الشارع الرئيسي، ثم مختلف جهاته، يستطيع القول إن مقر الجامع آمن، إنما ليس بالوسع الحسم أن ما وقع بمسجدي كرايستشيرش في نيوزيلندا لن يتكرر.
أضاف الصديق أن خبير أمن آخر، ذا خبرة في كيف ينبغي أن يتصرف الناس لحظة وقوع حدث طارئ، وقف بعده فحدّث المُصلين عما يجب عمله وفق أولويات السلامة. وفي جمعة الأسبوع السابق كان زار المسجد ضابط شرطة ذو رتبة متقدمة، فخطب في المصلين أيضاً وخاطبهم قائلاً: «معاً نقف ضدهم»، موضحاً أن الجميع يصطف ضد إرهاب التطرف. تساءل الصديق أمامي عما إذا كان تصرف مهم كهذا يحصل، بغرض التطمين والتخفيف من مشاعر الخوف عند الآخرين، عندما تتعرض أماكن عبادة مسيحية أو يهودية، وأحياناً مساجد، في مدن عربية وإسلامية، لجرائم معسكر التطرف الزاعم أنه مسلم.
رغم كل ما سبق، وما هو آت، من مآس تثير في نفوس البشر الكثير من الخوف، يبقى من المهم تغليب إحساس الأمل أن الجانب الخيِّر في الإنسان هو الذي سوف ينتصر، في نهاية المطاف، مهما بدا أن العالم مخيف أكثر مما يمكن للعقل أن يتقبّل.
حقاً، يكفي المرء أن يبصر، بشيء من إمعان النظر، كيف تُدار أشياء كثيرة، في مختلف أنحاء العالم، كي يتعاطف، بلا كثير تردد، مع كل من تُراود النفس منه أحاسيس خوف. خذ، مثلاً، إذا كنت تهيئ أطفالك لنهار مدرسي جديد، وأصبح ضمن قائمة واجبات كل صباح، التأكد من وجود مسدس، أو أي سلاح، في السيارة، تماماً مثل الاعتناء بملبس الأطفال والكراريس والشطائر. عندما تغدو هكذا طقوس جزءاً من أول النهار، في معظم مدن الولايات المتحدة الأميركية، وقراها، إضافة إلى عواصم وبلدات في أماكن عدة من العالم، أليس من الجائز، حينئذ، التساؤل: ما الذي يفرّق في الخوف بين تلك الأماكن، وغيرها، وبين بلاد وأوطان ابتُليت بحروب اشتعلت بين أهلها أنفسهم؟
هنا، في المملكة المتحدة، يتزايد شكل مختلف من أشكال الخوف يعبّر عنه تساؤل بدأ أخيراً يطل على نحو أكثر إلحاحاً من قبل: إلى أين سوف تأخذ دوامة «بريكست» بريطانيا والبريطانيين؟ بصرف النظر عما صوّت له نواب مجلس العموم مساء أول من أمس (الاثنين)، واضح أن هذا البلد يبدو مثل الواقف في مهب الريح على قمة جبل، السماء من فوقه وماء المحيط تحته، ليس يدري إلى أين ستلقي به الأقدار. الخوف من المجهول الآتي ليس بالهيّن. يعرف ذلك كل مَن مر بتجربة انتظار يتوقف على انقضائها مصير شأن ما في رحم الأقدار. ألم يعايش كل تلميذ أو طالب هيبة الجلوس في مقاعد الاختبار، وإذ انقضى الامتحان بدا الأصعب هو التعايش مع المخاوف في انتظار إعلان النتائج؟ بلى. وهكذا هي حال خامس أقوى اقتصاد في العالم. بلد يتخبط في لجج حيرة خوف من رياح المستقبل، الأرجح أنها ستبقى معه ردحَ زمنٍ، قد يطول أو يقصر، لكنه سيخلّف من الأثر ما يبرر مخاوف البريطانيين، ومعهم الأوروبيون في بلدهم، وكذلك مواطنو بريطانيا في أوروبا.
حدثني صديق، قال إنه استمع ظهر الجمعة الماضي إلى خبير أمن بريطاني مختص، خاطب الجالسين أمامه، وفي الصف الأول منهم خطيب جامع بإحدى بلدات ريف بريطانيا، فطمأنهم أنه بعدما فحص مبنى المسجد من جهة المدخل على الشارع الرئيسي، ثم مختلف جهاته، يستطيع القول إن مقر الجامع آمن، إنما ليس بالوسع الحسم أن ما وقع بمسجدي كرايستشيرش في نيوزيلندا لن يتكرر.
أضاف الصديق أن خبير أمن آخر، ذا خبرة في كيف ينبغي أن يتصرف الناس لحظة وقوع حدث طارئ، وقف بعده فحدّث المُصلين عما يجب عمله وفق أولويات السلامة. وفي جمعة الأسبوع السابق كان زار المسجد ضابط شرطة ذو رتبة متقدمة، فخطب في المصلين أيضاً وخاطبهم قائلاً: «معاً نقف ضدهم»، موضحاً أن الجميع يصطف ضد إرهاب التطرف. تساءل الصديق أمامي عما إذا كان تصرف مهم كهذا يحصل، بغرض التطمين والتخفيف من مشاعر الخوف عند الآخرين، عندما تتعرض أماكن عبادة مسيحية أو يهودية، وأحياناً مساجد، في مدن عربية وإسلامية، لجرائم معسكر التطرف الزاعم أنه مسلم.
رغم كل ما سبق، وما هو آت، من مآس تثير في نفوس البشر الكثير من الخوف، يبقى من المهم تغليب إحساس الأمل أن الجانب الخيِّر في الإنسان هو الذي سوف ينتصر، في نهاية المطاف، مهما بدا أن العالم مخيف أكثر مما يمكن للعقل أن يتقبّل.
الشرق الأوسط