أقلام مختارة

قمّـــةُ «النُــــوَّمِ»

د. أحمد عبدالملك

التقطت عدساتُ الكاميرات، في القمة العربية، في تونس، لقطاتٍ لأكثر من خمسة من رؤساء الدول العربية، أو ممثليهم، وهم في سابع نوم.
وقد لا نلومهم في ذلك، لأن بعضهم قد تجاوز الثمانين من العُمر، ومن الصعب عليه أن يكون حاضرَ الذهن، أو يستطيع مواصلة تلك الخطب ” العَصماء”، التي أخذت كلماتُ الشكر والمديح والتمنيات الطيبة فيها، أكثر من عشر دقائق !؟
ولقد درج العربُ على أسلوب المجاملة، ونقل تحايا وتمنيات الرئيس لرئيس الدولة المضيفة، والشكر والعرفان لرئيس الدورة السابقة، والتمنيات لرئيس الدورة المضيفة، وللأمين العام وزملائه، حتى حارس جامعة الدول العربية !؟ ولا يوجد نظير لهذا السلوك العربي في أمريكا أو العالم الغربي، حيث يُركّز المتحدث على الموضوع محلَّ النقاش، ويسجّلُ موقفَ بلاده بكل اختصار ووضوح.
أما في قممنا العربية، فالأمر مختلف! لذلك تأتي النتائج دونَ طموح الشعوب، ويتم الاختلاف على القضايا المصيرية، التي تحتاج إلى شفافية وعقلانية، بعيدة عن التجاذبات، أو مراعاةِ حساسية العلاقات مع كل دولة.
وإذا ما حاولنا حصرَ بعض الملاحظات، خلال قمة تونس الأخيرة، فإننا سنكون أمام الحقائق التالية:
استقطابات الجامعة العربية وأمينها العام، الذي بدا وكأنه وزير خارجية مصر! وكان من المفترض أن يكون حيادياً وتوفيقياً، في طرحه. إلا أنه تجاهل ذلك، وهي مخالفة لمهام الأمين العام، وكان لا بد للقانونيين في الجامعة – على كُثر وظائفهم – وأيضاً دولة الرئاسة، تنبيه الأمين العام لذلك. لقد تم اختطاف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، كما تم اختطاف الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إثر الحصار الذي فُرض على دولة قطر، وانصاعت جامعة الدول العربية لسياسات دولة المقر ومن حولها، وتجاهلت أصوات بقية الأعضاء. وهذا اتجاه يُنذر بتفكك الجامعة، إن لم يتم إصلاح الأمر.
كان من المُفترض، من الجامعة العربية، أن تضع أزمة حصار دولة قطر،على رأس الأولويات، لأن الانشقاق في الصف الخليجي يُسبب تصدّعاً في الموقف العربي، وكل ما قيل عن التضامن والوحدة، وغير ذلك من الكلمات التي ليست لها دلالات على الأرض.
القرار الخاص بالموقف الإسرائيلي من سوريا وبالأخص الجولان المحتل، كان الأبرز في البيان، وكان بودي لو تم تشكيل وفد عربي رفيع المستوى ليذهب إلى الأمم المتحدة ويطالب بتنفيذ القرار 242 والقرارات ذات الصلة، المتعلقة بنتائج حرب 1967!. ودعوة الأمم المتحدة بإلزام العدو الصهيوني بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية. كما أن لغة القرار لم تكن حاسمة، رغم اشتمالها على ” رفض” الإجراءات” الإسرائيلية في الأراضي العربية. وكانت العبارة الضعيفة كالتالي: ” وأكد القادة أن الإعلان الأمريكي الذي صدر بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، يُعتبر باطلاً شكلاً وموضوعاً، ويعكس حالة من الخروج على القانون الدولي، مؤكدين أن الجولان أرض سورية محتلة، ولا يحق لأحد أن يتجاوزه”. إن دهاقنة اللغة السياسية، الموجودين في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لا شك لديهم خبرة في كيفية صياغة البيانات المُدينَة للحالة، بعيداً عن حالة التردد والحذر في الصياغة.
كان يمكن للقمة أن تدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العسكرية ضد اليمن، وبدء مرحلة جديدة، تحفظ الأرواح والمكتسبات الوطنية اليمنية، لأن السنوات الأربع الماضية لم تحقق أية نتائج تُذكر لصالح دول التحالف، رغم تدمير الحرب لمؤسسات اليمن الأبرياء، وانتشار الأمراض والأوبئة، وهدم مؤسسات اليمن، وتراجع الأداء في أجهزة الدولة.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، شهدت هذه القمة تراجعاً – كسابقتها – عندما ذَكَر بعض القادة أو من ينوب عنهم قضية “القدس الشرقية “، بينما كانت القرارات الدولية والعربية الخاصة بحرب 1967 تنص على انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي التي احتلتها في تلك الحرب، ولقد انتصر التعبير الإنجليزي، وفات على العرب في الترجمة، عندما ورد في النص الإنجليزي ( الانسحاب من أراضٍ عربية، بينما ورد في النص العربي (الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشريف..) وهنالك الكثير من الإنشائيات المُكررة في هذه القضية. ونحن نشهد تراجعات واضحة في ظل الانقسامات الفلسطينية، ومشروع (صفقة القرن) التي ترعاها الولايات المتحدة، وبعض الدول العربية، والتي تُفرط تفريطاً واضحاً في حقوق الشعب الفلسطيني، وتتجاهل حق العودة للاجئين، وإقامة الدولة الفلسطينية فوق كل التراب الفلسطيني، وتُنذر الصفقة بـ “سايكس بيكو ” جديدة !؟وأهم ما جاء في البيان الختامي حول هذا الموضوع: ” نؤكد بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل… حيث ستبقى القدس الشرقية عاصمة فلسطين العربية، ونحذّر من اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تغيّر الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس..) أيضاً نلاحظ هنا اتساع رقعة الإنشاء، وعدم وجود مشروع أو خطة عمل لتحقيق ما سعت إليه العبارة أعلاه.
بالنسبة للوضع الليبي.. جاء تأكيد القادة وقوفهم مع دولة ليبيا، لدحر العصابات الإرهابية واستئصال الخطر الذي تمثله فلولها على ليبيا ومَن جوارها. وشدد البيان على الحرص على وحدة الأراضي الليبية ورفض أي حل عسكري للأزمة القائمة في البلاد. وهذه من أساليب التمنيات، وكان بودي وضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بأطراف النزاع داخل ليبيا، دون أن نلقي اللوم – فقط – على ” العصابات الإرهابية “!؟
بالنسبة للعلاقات مع إيران، نحن نستغرب أن يترك الزعماءُ العرب مشاكلَهم الداخلية، والإقليمية، ويُقحمون اسم إيران في بيانهم، وكان لا بد لهم من وضع أصابعهم على الجروح الغائرة في جسد الأمة العربية، وليس من مصلحة الدول العربية ” استعداء” إيران،”واتهامها بزعزة الأمن، وما تقوم به من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية، بما في ذلك تسليحها للمليشيات الإرهابية في عدد من الدول العربية”. ولئن كان القصد هنا دعم الحوثيين، والتواجد الإيراني في سوريا، كان لابد للبيان أن يذكر ذلك صراحة، لأن هنالك تواجداً عسكرياً عربياً في اليمن وما جاورها، وهنالك تواجداً روسيا وتركياً في سوريا، فلماذا لم يتفتق ذهنُ “دهاقنة” الصياغة عن ذلك والإشارة إليه؟
وبعد ذلك، يأتي ” سيلُ” التأكيدات على التضامن مع كل من: السودان، الدول المطلة على البحر الأحمر، جمهورية الصومال، الحوار الوطني بجمهورية الصومال، والحوار الوطني بجمهورية جزر القمر، والجهود السودانية والصومالية وجزر القمر للاستفادة من مؤسسات التمويل الدولية بشأن الدول المثقلة بالديون ! وكان لا بد أن تناقش الجامعة العربية أسبابَ الديون، وأين تذهب الملايين التي تقدّمها بعض الدول العربية أو المؤسسات الدولية لتلك الدول؟
بيانُ ” النُوَّمِ” فيه أمنيات وأحلام لا يمكن أن تتحقق، ولم تظهر فيه أية مبادرة عملية لحل أي من مشاكل الدول العربية!؟
كان يجب أن يؤكد البيان على حق الشعوب العربية في اختيار شكل الحُكم والإدارة فيها!؟ وأن يُحترم التوجه الديمقراطي، الذي تنشده الشعوب، وأن يُدين البيان محاولات مَن تجاوزوا الثمانين، أن يستمروا في حُكم الشعوب، بعقلية الستين أو السبعين!؟ أما عبارات التأكيد على التضامن، وتعزيز العمل المشترك، والتنديد بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة، ومحاربة الإرهاب فكلها “كليشيهات” دبلوماسية، عفا عليها الزمن. ونحن هنا نسأل: لماذا غاب الأمين العام لجامعة الدول العربية من الحصار الذي تم فرضه على دولة قطر؟ ولماذا لم تقم الجامعة العربية بواجباتها في “صون العلاقات الطيبة بين الدول العربية”، أليست قطر عضو في الجامعة العربية، وأليست الدول الأربع التي حاصرت قطر أيضاً أعضاء في الجامعة ذاتها؟! لو يقرأ الأمين العام لجامعة الدول العربية مهامَّهُ جيداً، حسب النظام الأساسي للجامعة، لوجد أن هذه المهام تفرض عليه الحفاظ على التضامن العربي، وأن يُصدر بياناً واضحاً على أهمية التضامن العربي، وأهمية عدم إساءة أية دول لأي من الدول العربية، أو محاولات تغيّر الأنظمة، ولقد صدر البيان الأول ضد قطر من مرأى من موقع جامعة الدول العربية!
لقد جمعَ الأمين العام في تونس مجموعة من ” النُوَّمِ” الذين يعيش بعضُهم خارج التاريخ، في صورة ” موميائية ” جعلت العالم يضحك عليهم، وجعلت الشعوب العربية تندبُ حظَّها على هذا الواقع الأليم.
الشرق القطرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق