زياد الدريس
في خطوة حضارية تعي تعقيدات الحياة اليوم وشطحاتها، اعتمد مجلس الوزراء السعودي الموقر أمس (الثلثاء) «لائحة الذوق العام» التي تمنح الجهات المختصة فرض عقوبات على منتهكي منظومة القيم والأخلاق المجتمعية في الأماكن العامة، سواءً أكان هذا الخدش للذوق تم بالقول أم بالعمل السلوكي.
ويندرج تحت الأعمال المنافية للذوق العام: ارتداء الملابس غير المحتشمة أو غير المحترمة أو تلك الملابس التي تحمل عبارات أو صوراً تخدش الحياء والذوق العام، ويندرج تحتها أيضاً الكتابة والرسم العبثي على الجدران، كما تشمل بالطبع احترام الذوق العام في المساجد (لباساً وسلوكاً).
بنود «لائحة الذوق العام» لم تغفل عن فضاء وسائط التواصل الاجتماعي التي تجاوزت في بعض مضامينها وألفاظها من منافاة الذوق العام أقصى المستويات التي بلغتها شوارعية الحارة قديماً!
وفيما يرى البعض أن مثل هذه اللوائح والأنظمة هو شكل من أشكال تقييد حرية الناس وعفويتهم وتلقائيتهم في اختيار الملبس والسلوك و(القاموس اللفظي) الذي يشتهيه أو يلائمه، يرى آخرون أن الانفتاح (بالأصح:الانشقاق) الذي يغشى الحياة الاجتماعية في عالم اليوم، مدعوماً بغلواء الرأسمالية التي لم يعد للربح عندها قيود، يتطلب وضع ضوابط صارمة تحفظ للمجتمع سَمْته وللقيم هيبتها.
وبات اللهاث المسعور خلف (الربح) مبرّراً ومشرّعاً لكل سلوك عملي أو لفظي مهما كان قبيحاً ومنافياً لأبجديات الأخلاق، حتى بلغ الهبوط مبلغاً أن البعض لا يتحاشى الشتيمة ضده، بل ربما بحث عنها، ما دام أن هذه الشتيمة ستزيد متابعيه، وبالتالي ستزيد من فرص الاسترباح من ورائها!
سيرى مناصرو «العفوية» والحرية المطلقة أن مناصري الذوق العام هم «دَقّة قديمة» مجاورة للزمن التقليدي الذي انتهى عصره. والحقيقة المطلقة، وإن بدت نسبية في بعض جوانبها، أن «الذوق العام» لأي مجتمع قد يزيد وينقص ويشتد ويرتخي، لكنه لا يندثر أبداً، لأنه المسطرة التي يتم بها حفظ قيمة الاحترام في المجتمع، وهل يمكن تصوّر مجتمع من دونها؟!
لن يقاوم «لائحة الذوق العام» الفوضويون أو البذيؤون فقط، كما قد نظن، ولكن أيضاً المنتفعون الذين يستثمرون الفوضى والبذاءة.
@ziadaldrees
* كاتب سعودي.
الحياة