أقلام يورابيا

كيف يسعى ترامب لتعزيز الدعم الأوروبي لصالح مشروعه في شرق الفرات؟

جلال طلال سلمي

جلال طلال سلمي

بالتزامن مع اقتراب حسم ملف “داعش” عسكرياً، طالب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، دولاً أوروبيةً بتسّلم المئات من مواطنيها المُنتمين لتنظيم الدولة “داعش”، وإجراء محاكمات لهم. وقد خصّ ترامب بعض الدول الأوروبية بالاسم، حيث ذكر أنه يتعين على بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة مسلحي التنظيم حاملي الجنسية الأوروبية، وهو ما فُسر في إطار حمل ترامب مآرب يسعى لتحقيقها من خلال ابتزاز الدول الأوروبية.
“أرفض هذا الأمر”، قالت الحكومة الفرنسية، مشيرةً، على لسان وزيرة العدل لديها، نيكول بيلوبيه، إلى أن بلادها تُفضل تقييم كل حالة على حدة، وأن “فرنسا باتت تحظى بوضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأمريكي، ولن تستجيب لمطالب ترامب”. وهو ما عكس مواقف الدول الأوروبية التي سحبت جنسياتها من بعض المُقاتلين.
في المقابل، أشار ترامب إلى أن بلاده ستترك 300 جندياً أمريكياً في شرق الفرات، بهدف “حفظ السلام”. وبهذه النقطة يُوضح ترامب هدفه الأساسي من ابتزاز حلفائه الأوروبيين، حيث يبدو أنه يحاول إيصال رسالة مفادها أن أمريكا تحارب من أجل السلام في أوروبا والساحة الدولية بشكلٍ عام، لذا لا بد أن تتحمل الدول الأوروبية مسؤوليتها بملء الفراغ الأمريكي بعد تنفيذ قرار الانسحاب الذي اتضحت معظم معالمه حتى الآن.
وأمام الرفض الأوروبي، تُصبح بيد ترامب ورقة مُستمدة من القانون الدولي الذي ينص على أن المقاتلين يُسلموا إلى دولهم. لكن على الأرجح قد لا تصل الأمور إلى هذا الحد، حيث أن الدول الأوروبية، كفرنسا وبريطانيا تحديداً، تنتشر فعليا في مناطق شرق الفرات، إلى جانب القوات الأمريكية. وأمام ضغط الرئيس ترامب الذي يرغب في تقاسم التكاليف مع جميع الدول الإقليمية والكبرى ذات العلاقة في سوريا، قد لا تجد الدول الأوروبية مفراً من مُساندة طموح الرئيس ترامب، ورفع مستوى دعمها التمويلي لمجالس إدارة الحكم المحلي المُتوقع تأسيسها في شرق الفرات، مع رفع مستوى انتشارها، كقوات حفظ سلام، في المناطق الحيوية التي تسعى واشنطن للحفاظ عليها تحت نفوذها، كقاعدتي الزكف والتنف، ومنطقة المثلث الحدودي بين تركيا وسوريا والعراق.
وفيما يتعلق بالمشروع الأمريكي حيال منطقة شرق الفرات، يُشار إلى أن واشنطن تسير نحو تطبيق سيناريو “الانتشار التشاركي” الذي يعني تشارك التكاليف المادية والعسكرية والبشرية مع جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية، في سبيل الإبقاء على نفوذها بأقل التكاليف. وفي هذا السيناريو الذي تظهر مؤشراته من خلال استعداد واشنطن للانسحاب وتفاوضها مع تركيا لتأسيس منطقة آمنة على طول الحدود السورية ـ التركية، ودفعها بالدول الأوروبية لزيادة عدة قواتها، وتفاوضها مع جميع القوى المحلية الفاعلة في مناطق نفوذها للانتشار في إطار مجالس الحكم المحلي، تبقى الكلمة العليا لواشنطن، لكن بدون تكاليف مباشرة باهظة تتحملها. وينبع هذا السيناريو من استراتيجية “الاحتواء والتطويق” التي تحاول الإدارة الأمريكية تطبيقها من خلال تحقيق أوسع تحالف مع الدول الحليفة ضد الدول الخصم، من أجل الضغط على الأخيرة قدر الإمكان، ودفعها نحو طاولة مفاوضات تكون لواشنطن فيها يد كبرى في تحديد مسار المعادلات المُراد الوصول إليها.
في الختام، لا زالت واشنطن تُثبت مع مرور كل يوم بأنها الدولة الأكثر تأثيراً في مسار المعادلات الدولية ونسجها، ويبدو أنها بإمساكها بزمام الأمور في شرق الفرات، تحاول الضغط على الدول الأوروبية، عبر ورقة مواطنيها المُنتمين “لداعش”، في سبيل إرغامهم على تحقيق مشاركة مالية وعسكرية وبشرية فعلية في إدارة المنطقة في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي.

* صحفي وباحث مُتخصص في شؤون العلاقات الدولية والعلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق