السلايدر الرئيسيتحقيقات
بعد 54 سنة من إعدامه… هل تكون عودة رفات إيلي كوهين من دمشق لتل أبيب مفتاحاً لعملية سلام؟!
شوقي عصام
ـ القاهرة ـ من شوقي عصام ـ ما نُشر في صحف ومواقع إسرائيلية، نقلاً عن تقارير سورية، إن الوفد الروسي الذي زار سوريا مؤخراً، غادر وهو يحمل تابوتاً يضم رفات الجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين، الذي أُعدم في دمشق سنة 1965، وإن صح ذلك، سيكون له وقفة تاريخية في شكل العلاقة بين إسرائيل وسوريا.
“كوهين”، من أكثر الجواسيس إثارة للجدل في حياته ومماته، فهو من اخترق النظام السياسي والعسكري والحزبي في سوريا، في النصف الأول من حقبة الستينيات، لدرجة أنه كان صديقاً مقرباً من مسؤولين أبرزهم الرئيس السوري أمين الحافظ.
ومع الجدل المصاحب لحياة “كوهين”، فإن إسقاطه أحيط بجدل، فدمشق عملت على سيناريو يدور حول أن أجهزتها هي التي أوقعت بالجاسوس، في حين أن هناك سيناريو آخر يتعلق بالمخابرات المصرية، يدور حول أن العميل المصري رفعت الجمال المشهور برأفت الهجان، في إحدى رحلاته من تل أبيب إلى روما، ذاهباً للقاء مشغله من المخابرات المصرية، وجد في إحدى المجلات صورة لمسؤولين سوريين، من بينهم شخص يدعى أمين ثابت، ودار في ذاكرته ملامح شخص، تعرف عليه عندما كان يحاول اختراق الجالية اليهودية في القاهرة ليكون منها، وذلك في منتصف الخمسينيات.
وفي هذا السياق، دارت معلومات تتعلق بأن “الجمال” التقى بمشغله ضابط المخابرات البارز في تاريخ هذا الجهاز، محمد نديم، وحكى له عن الأمر، وبدوره الأخير عاد إلى القاهرة، وجمع معلومات عن هذا الشخص، وأثبتت صحة ما قدم من الجمال، فطار “نديم” إلى دمشق مقدماً ملفاً يكشف هذا العميل.
“إيلي” يهودي من أصل مصري، ولد عام 1924، وانضم لمنظمة الشباب اليهودي، في عام 1944 بالإسكندرية، وفي عام 1948 هاجرت عائلته، وتخلف عن السفر، ليعمل تحت يد الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي عمل في مصر، إبراهام دار، المعروف باسم جون دارلينج، الذي قاد عمليات تفجيرات لمنشآت أمريكية ودور سينما في مصر عام 1954، لإفساد العلاقة بين حكومة الثورة وواشنطن، وهي القضية المعروفة سياسياً بفضيحة لافون.
ضبط “إيلي”، ضمن هذه الشبكة، ثم تم إخلاء سبيله، وذهب إلى إسرائيل ليلتحق بإحدى وحدات الموساد، ثم حركته تل أبيب إلى القاهرة، وقت العدوان الثلاثي عام 1956، فتم اعتقاله وأفرج عنه عام 1957 ليعود إلى إسرائيل، وتم تأسيسه كمشروع جاسوس، ولكن هذه المرة في سوريا.
وكان السيناريو الإسرائيلي، باسم أمين ثابت، ليتم تجهيز العميل في 4 سنوات، من خلال شبكة موساد بالأرجنتين، وتم إعداده، ليخترق الجالية السورية الكبرى في بيونس إيرس، ويصبح رجل أعمال سورياً، ويريد أن يعود إلى بلاده ووطنه سوريا.
وفي الشهور الأولى بسوريا، تمكن كوهين من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين، وقيادات حزب البعث السوري، وكان من المعتاد أن يزور أصدقاءه في مقار عملهم، وكانوا يتحدثون معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل، ويجيبون عن أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي، أو الغواصات التي وصلت حديثاً من الاتحاد السوفيتي، أو الفرق بين الدبابة ت-54 وت-55 وغيرها من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس.
وكانت هذه المعلومات تصل أولاً بأول إلى إسرائيل، ومعها قوائم بأسماء وتحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات، وتمكن من تصوير جميع التحصينات بهضبة الجولان بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده أنتجتها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، وزود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة، وأبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز ت-54 وأماكن توزيعها، وكذلك تفاصيل الخطة السورية، التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس، لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب.
“إيلي”، اخترق نظام حزب البعث ووصل إلى مناصب رفيعه، وقيل إنه كان على خطوات من منصب وزير الدفاع في دمشق، في عام 1965، ولكن هذا الأمر مستبعد لعدة اعتبارات.
ودائماً ما كان “إيلي” على مدار أكثر من 50 سنة، دعاية انتخابية للحكومات المتعاقبة في إسرائيل، خلال الانتخابات البرلمانية، وكانت عائلته تضغط دائماً لإعادة الرفات إلى تل أبيب، وطرحت أسرته كثيراً، بضرورة إبرام الحكومة الإسرائيلية عملية سلام لإعادة الرفات.
زوجته نادية كوهين، العراقية الأصل، التي تزوجت بـ”إيلي”، قبل 6 سنوات من إعدام، ليكون نتاجهم 3 أبناء، دائماً ما تتحدث إعلامياً، قالت في حديث تليفزيوني سابق: “أرسلت رسالة للرئيس الأسد، ورد بجملة قصيرة قال فيها، عندما يكون هناك موقف سياسي من إسرائيل”.
وتابعت: “أنه يربط بين إيلي والموقف السياسي، ولا يتزحزح عن موقفه هذا”.
صوفي الابنة الكبرى لـ”كوهين”، طالبت منذ 10 سنوات بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد، والتحدث معه، وأن تزور رفات والدها في سوريا.
وقالت: “أرسلت له خطابات بشأن ذلك، ولم يأت لنا رد، لكن الرئيس السوري أجاب عن أحد خطابات والدتي، بأن الأمر سيكون مطروحاً في حالة إتمام عملية سلام”.
وأردفت: “استعادة رفاته قد تخفف من معاناتنا”.