السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

الأدلة المُدينة لحركة النهضة في الاغتيالات السياسية بتونس … ماذا بعد؟

– تونس – الندوة التي عقدتها الثلاثاء هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي في تونس والتي استعرضت فيها جملة من الوثائق الجديدة المتصلة بقضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد (يوم 6 فيفري 2013) ومحمد البراهمي (يوم 25 جويلية 2013) انقسمت إلى محورين أساسيين؛ محور قانوني أمّنه تدخل محامين قدموا وثائق جديدة وما يترتب عنها من استتباعات قانونية. ومحور سياسي عبر تدخلات قياديين في الجبهة الشعبية (زياد لخضر وزهير حمدي وحمة الهمامي).

التقسيم المنهجي الذي اختارته اللجنة، لتبويب التدخلات قبل إتاحة الفرصة للصحافيين لطرح استفساراتهم، بقدر ما بدا ضروريا لتنظيم المداخلات، وفصل ما هو تقني عما هو سياسي فإنه يعكس أيضا أن للقضية أبعادها القانونية والسياسية المنفصلة والمتداخلة في آن.

الجانب القانوني في مسألة الاغتيالين، يقوم على أن الجريمتين ارتكبتا في العام نفسه، ويبحث عن توفير الضمانات القانونية اللازمة للوصول إلى الحقيقة كاملة ومحاكمة الجناة الضالعين في القضية، وهو ما يفترض أن يضطلع الجانب القضائي والأمني بما يناط بعهدتيهما من أدوار، دون ضغوط سياسية.

وشددت اللجنة أن مسار البحث القضائي في القضية يراوح مكانه منذ سنوات، وأكد الأستاذ نزار السنوسي، عضو هيئة الدفاع في قضية اغتيال بلعيد أن “تشتيت الملف على عدة مكاتب تحقيق، ساهم في عدم الوصول إلى الحقيقة، رغم مرور 5 سنوات على الاغتيال”، وأضاف أن “جزءا من القضاء التونسي لم يتحرك بالكيفية المطلوبة، حيث لا يزال يخضع لسيطرة جهاز النيابة العامة الذي يعتمد على سلطة تقديرية مطلقة”.

تحفظات كثيرة ساقتها اللجنة على المسار القضائي المعتمد في التعاطي مع القضيتين وهي توحي بأن هناك إصرار رسمي على “دفن القضية” أو على تعطيل الوصول إلى الحقيقة، حيث أجمعت القراءات القانونية للجنة على أنه لو لم يكن هناك “حجاب سياسي” أمام الحقائق المتوفرة والمتاحة لتم إيقاف القتلة، واعتبرت اللجنة أن إيقاف اسم أو اسمين على صلة بالقضية لا يكفي، طالما لم يتم بحث كل الضالعين، من محرضين وممولين ومساندين ومستفيدين. الأطراف التي تتحرك وفق المنطق القانوني الصرف تكتفي بإبراز الإخلالات القانونية ومواطن التقصير دون أن تتهم أية جهة سياسية بعينها.

أما المحور الثاني للندوة فهو الجانب السياسي، الذي يبدو أساسيا بدوره انطلاقا من ضحايا الاغتيالات وزمن الاغتيال وسياقاته. شكري بلعيد أو محمد البراهمي لم يكونا شخصيتين عاديتين في تونس، بل كانا زعيمين سياسيين، جمع بينهما أنهما تفطنا مبكرا إلى الخطر الكبير الذي تمثله التيارات الإسلامية التي هبت على تونس مع رياح الثورة. عُرف شكري بلعيد بحديثه الكثير والمتواتر عن مخيمات التدريب في شمال غرب البلاد، وعرف بسجالاته الحادة مع قيادات نهضوية حول الموضوع.

كما تميز البراهمي بالعديد من المواقف المناهضة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهي مواقف وصلت أوجها مع تصريحه الذي دعا فيه إلى إعلان حرب تحرير تونس من هيمنة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكان ذلك قبل اغتياله بأيام قليلة. وقال في حوار صحفي يوم 19 جويلية إن “مناضلي التيار الشعبي لا خيار لهم إلا المساهمة بما لديهم من إمكانات نضالية للانخراط في المعركة الوطنية المهمة التي فُرِضت على كل القوى الوطنية والديمقراطية من طرف التنظيم العالمي للإخوان ورأس حربته في تونس حركة النهضة”.

كان الرابط الأول بين شكري بلعيد ومحمد البراهمي هو التناقض السياسي الواضح مع الإخوان المسلمين، وبالتالي مع حركة النهضة، وكان الرابط الثاني هو الاغتيال.

المسألة الثانية في البعد السياسي الصرف للقضية هو أن الاغتيالين حدثا في زمن حكم الترويكا، والتي كانت النهضة خلالها تتحكم في أغلب السلطات؛ أغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، مع اضطلاعها برئاسة الحكومة، فضلا عن وجود رئيس (بلا صلاحيات) عرف بانصياعه لها، وهو ما أتاح لكل القراءات السياسية بأن تحمل الحركة المسؤولية السياسية عن الاغتيالين. وهي النقطة التي يعتمدها اليوم قياديو حركة النهضة للرد على ما تقدم في ندوة هيئة الدفاع معتبرين أن الجبهة الشعبية تحاربهم بهذا الملف وتسعى لتسييسه كون النهضة هي خصمهم السياسي الأول.

الأطراف المتبنية لوجود مسؤولية سياسية لحركة النهضة عن الاغتيالين، باعتبار وجودها في السلطة أثناء الحدثين، تحولت اليوم إلى توجيه اتهام واضح إلى الحركة، وتحول القول إلى وجود مسؤولية مباشرة للحركة خاصة على اغتيال شكري بلعيد. ولاشك أن التحول من المسؤولية السياسية إلى المسؤولية المباشرة أو القانونية، هو تحول خطير ولم يحصل إلا بتوفر كم هائل من الأدلة.

“الوصول إلى الحقيقة ومحاكمة الجناة وتنقية المناخ السياسي في تونس”، هذا ما ورد في تصريح زياد لخضر، الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، والذي ترجم الغاية الأساسية للحزب وللقوى التقدمية في تونس، وهو هدف تتضافر من أجله الأبعاد القانونية التقنية، والأبعاد السياسية المترتبة على الاغتيال والرافضة للعنف السياسي.

المسافة الفاصلة بين القانوني والسياسي في قضية اغتيال شكري بلعيد، هي مسافة منهجية إجرائية، رغم ما يسود بينهما من تأثير وتأثر واعتماد متبادل، بل إن التداخل بينهما هو من جنس القضية ذاتها، إي أن الاغتيال هو فعل يجرمه القانون، لكنه هدف لخدمة هدف سياسي.

أعادت ندوة هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي قضيتي الاغتيال إلى دائرة الضوء وقدمت أدلة تحمّل المسؤولية كاملة لحركة النهضة في الاغتيالين. الأمر الذي يثير تساؤلات حارقة حول مسار القضيتين في علاقة بالسلطة القضائية من ناحية وبالسلطة السياسية (التي تسيطر حركة النهضة على مفاصلها) من ناحية ثانية، وحول ما قد يترتب عن كشف الحقائق فيما يتصل بمستقبل حركة النهضة سياسيا في حال اتخذت السلطتين التنفيذية والقضائية الإجراءات القانونية ثم حاكمت المتورطين في الاغتيالين من المخططين إلى الداعمين وصولا إلى المنفذين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق