الفصائل الفلسطينية متمسكة بالاضراب بعد خسارة جماهيريتها في الشارع!
– رام الله – يتذكر الفلسطينيون جيدًا، كيف كان الإضراب في التاسع من كل شهر وهي ذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى في ديسمبر من العام 1987. ويتذكرون جيدًا كيف كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المدن الفلسطينية كافة، وتقوم بخلع أقفال المحال التجارية وفتحها عنوة، في محاولة لمحاربة الإضراب الفلسطيني آنذاك.
وكانت إسرائيل تحارب الإضراب، لأنها كانت تتحمل كلفة الاحتلال في ذلك الوقت، ما يعني أن إغلاق كل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة، كان يكبدها الكثير من الخسائر الاقتصادية في يوم واحد فقط، وهو اليوم التاسع من كل شهر.
لكن الأوضاع تبدلت كثيرًا مع وصول السلطة الفلسطينية إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح الإضراب في هذه الحالة، ضد الاقتصاد الفلسطيني، على وجه الخصوص، وليس ضد أحد سواه، وهو ما بات يؤرق الفلسطينيين من عامة الشعب.
قبل يومين، أعلنت لجنة المتابعة العربية في فلسطين المحتلة عام 1948، وهي الجسم الرئيسي الذي يتابع أمور الفلسطينيين في الداخل، الإضراب الشامل داخل المدن الفلسطينية، إحياء لذكرى شهداء هبة أكتوبر في الداخل المحتل، وكذلك رفضًا للقانون الإسرائيلي الجديد الذي حمل اسم “قانون القومية اليهودي”.
وفي هذه الحالة، فإن الإضراب في فلسطين المحتلة عام 1948، يؤذي إسرائيل بالفعل ويضر باقتصادها، لكن الفلسطينيون هاجموا من قرر سريان الإضراب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس تضامنًا مع أشقاءهم في المدن والقرى الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ليس لأنهم لا يريدون التضامن معهم، بل لأن الفكرة لم تعد ذي جدوى بالنسبة لهم، وهناك طرقا كثيرة للتضامن.
وأتى موعد الإضراب على سبيل المثال، في ذروة الأعياد اليهودية “عيد العرش” بالنسبة للقدس المحتلة على سبيل المثال، ما أعطى الحرية للمستوطنين اليهود خاصة من المتطرفين، للوصول بأعداد ضخمة إلى داخل البلدة القديمة، واقتحموا المسجد الأقصى بحرية تامة، نظراً لأن المدينة وبلدتها القديمة مغلقة بالكامل التزامًا بالإضراب، وهو ما حذا بالكثيرين في القدس المحتلة بالدعوى للخروج إلى الشوارع لمواجهة المتطرفين اليهود، الذي هاجموا الفلسطينيين ومحالهم التجارية ومنازلهم دون رادع، ودنسوا المسجد الأقصى داخله وخارجه بصلواتهم التلمودية ورقصاتهم الاستفزازية.
وفي قطاع غزة، أتى الإضراب وسط حالة الحصار الذي يخنق غزة وأهلها في كل شيء، فلا كهرباء إلا لساعات قليلة جدا، ولا ماء صالحة للشرب، بينما مسيرات العودة مستمرة دون توقف على نقاط التماس، وسط سقوط الشهداء والجرحى بالعشرات على حدود القطاع مع الاحتلال الإسرائيلي، من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه.
وفي الضفة الغربية، لم تعلنن أيًا من الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، أية نشاطات تضامنية مع الفلسطينيين ضد قانون القومية العنصري، وعطلت المدارس والجامعات والوزارات الحكومية وتوقفت المواصلات، بل وتوقفت الحياة بالكامل. وخرجت أصوات كثيرة داخل الضفة أن الغالبية من الفلسطينيين خرجوا في رحلات داخلية في المدن الفلسطينية نتيجة يوم “العطلة” أي الإضراب المفاجيء، وخسر الاقتصاد الفلسطيني الكثير بسببه.
وخلال ساعات بعد الظهر والمساء في الضفة الغربية، فتحت بعض المحال التجارية، وتحديدًا محال البقالة أبوابها على استحياء، وخرج الكثير من الفلسطينيين من منازلهم للتسوق، أو للمشي في شوارع المدن مللاً لأن لا شيء معلن رسميًا كنشاطات داعمة لفلسطينيي الداخل، ولا شيء يمكن فعله في أيام الأضراب سوى الجلوس في المنازل أو الخروج في رحلات داخل المدن والقرى الفلسطينية القريبة.
وخلال السنوات الماضية، خرجت أصوات كثيرة تطالب بعدم إعلان الإضراب الشامل، لأنه وفي كل مرة يعلن فيه الإضراب، أولا يؤدي إلى أضرار اقتصادية لدى الفلسطينيين فقط، في وضع ليس لدى الفلسطينيين اقتصاد حقيقي نظرا لارتباطه بالاحتلال الإسرائيلي. كما يؤدي الإضراب إلى جالة من الأرباك، فإن كان إضراب تجاري فقط، أو يشمل كافة نواحي الحياة مثل المدارس، والجامعات، والبنوك، والمؤسسات الحكومية، والمواصلات العامة بين المدن وحتى داخل كل مدينة.
ولم تأبه القوى الوطنية والإسلامية لهذه الأصوات، ويعتقد الكثيرون ممن تحدثت معهم صحيفة ، أن اصرار القوى الوطنية على فكرة الإضراب، كون هذه الفصائل لم تعد تمتلك الشارع كما أيام الانتفاضة الأولى، ولم تعد تملك سوى إعلان الإضراب أيًا كانت أسبابه أو نتائجه الكارثية على الفلسطينيين أنفسهم.