أقلام مختارة

الشهرة المتردّية

زياد الدريس

زياد الدريس

إليكم هذه الحكاية المتداولة:

«سأل صحافي عملاق الأدب العربي عباس العقاد ذات مرة: مين أشهر، أنت أم محمود شكوكو؟! فردّ العقاد مستغربا: من محمود شكوكو؟!».

كان من الممكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد، غير أن الصحافي وجدها فرصة لعمل موضوع شيق يحقق به خبطة صحافية طرفاها نجم في عالم الأدب والآخر في الفن الشعبي، فذهب الصحافي إلى شكوكو الذي كان فنانا استعراضيا كبيرا في ذلك الحين، وقال له «عندما سألت العقاد من الأشهر أنت أم هو، استنكرك وقال: من محمود شكوكو؟!».

فاستشاط شكوكو غضبا، وقرر أن يرد فقال للصحافي: «اذهب إلى العقاد وقل له شكوكو بيقولك: انزل ميدان التحرير، وقف على رصيف، وحينزل هو ويقف على الرصيف المقابل، وشوف مين الناس هتتلم عليه؟!».

نقل الصحفي الرسالة إلى الأديب الكبير الذي جاء رده سهلاً «قاصفاً»، فقال للصحافي: «قول لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف ويخلّي واحدة رقاصة عريانة تقف على الرصيف التاني ويشوف الناس حتتلَمّ على مين أكتر.. عليه أو على الرقاصة؟!».

أسوق هذه الحكاية، التي لا أدري إن كانت حقيقية أم من تأليف الصحافيين، لأوظّفها في وصف الواقع الجديد الذي ترعرع في أحضان وسائل التواصل الاجتماعي، الذي لو أدركه العقاد لخفّف قسوته على شكوكو!

مع نشوء وسائط التواصل نشأت معايير جديدة للشهرة قائمة على بناء محتوى تافه يتحرك في ثناياه «المبدع» محققاً رواجاً وشهرة حتى لدى الذين يستثقلونه وينبذونه. هم في الحقيقة لا ينبذونه ما دام أنهم يتداولون مقاطعه، حتى وإن شتموه مع كل ترويجة له(!). ينبذونه بعد نهاية مشاهدتهم لكل مقطع له، ثم يعودون لتبنّيه في المقطع التالي!

التهريج الذي كان يقوم به شكوكو أو إسماعيل ياسين أو ماري منيب لم يكن سائلاً في ساعات يومنا وبين أيادينا، بل كان يجب أن نبحث عنه إن شئناه في شاشة التلفزيون أو قاعات السينما. أما مهرّجو اليوم فلن تبحث عنهم لأنهم بين يديك وعينيك طوال اليوم. والوسيلة الوحيدة للابتعاد عنهم والتعافي من تلويثاتهم هي العزلة فقط، ولا خيار آخر للأسف.

وإذ كانوا من قبل يقولون: «الجمهور عايز كده»، فإن من الأصح اليوم أن يقولوا: «الجمهور يستحق كده»، لأنه لم يترفّع عن تداول الرداءة وترويجها، حتى وهو يعيبها.

الشهرة والشعبية لم تكن يوماً مؤشراً على الجودة، لكنها اليوم تكاد تكون مؤشراً على الرداءة!

@ziadaldrees

* كاتب سعودي.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق