السلايدر الرئيسيتحقيقات
أزمة موسكو و”الناتو” الأخيرة… وضرورة “إعادة ضبط” ترامب للعلاقة مع روسيا
علي الخطايبة
ـ موسكو ـ من علي الخطايبة ـ أنشأت الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يضم بعضويتة في الوقت الحاضر 29 دولة عام 1949 بغرض تحجيم نفوذ الاتحاد السوفيتي في أوروبا ومنع ما كان يسمى حينها “المد الشيوعي” في جميع أنحاء العالم، وبعد مرور 70 عاما على إقامة الحلف لا تبدو العلاقة بين واشنطن وموسكو قد تجاوزت المشاحنات التي بدأت بالتبلور منذ ذلك الحين.
وتخللت العلاقات بين واشنطن وموسكو على مدار السبعة عقود الماضية مواجهات كان أصعبها أزمة الكاريبي في ستينيات القرن الماضي عندما أرسلت موسكو صواريخ نووية إلى كوبا بحجة حماية الثورة الشيوعية هناك كادت أن تشعل حرب عالمية ثالثة.
لكن حدة التوتر انخفضت في السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتي الذي انهار في أواخر 1991 وفي العقد الأول من عمر روسيا الاتحادية التي أصبحت في عام 1997 عضو في مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية.
وبمجيئ بوتين إلى السلطة عام 2000 طورت موسكو تعاونها مع الحلف وأنشأ الجانبان عام 2002 مجلس روسيا – الناتو بهدف التنسيق والتشاور في عدة قضايا على رأسها القضايا الأمنية، وتمخض الانفراج النسبي في العلاقات عن تعيين مندوب دائم لروسيا لدى الناتو في بروكسل بمستوى سفير.
لكن أسبابا حالت دون استمرار تقدم العلاقات بين الجانبين منها اعتراض روسيا على زحف قوات الناتو نحو الشرق حتى أصبحت على مقربة من الحدود في منطقة البلطيق، ونشر حلف الناتو صواريخا هجومية في رومانيا وبولندا.
على الجانب الآخر رفضت واشنطن بشدة تدخل روسيا العسكري في جورجيا 2008 بعد اندلاع الحرب في أوسيتيا الجنوبية، وتوقف الحوار بين مجلس روسيا – الناتو حتى الأزمة الأوكرانية عام 2014.
ومنذ ذلك الحين قطعت الاتصالات السياسية والعسكرية بين الجانبين واقتصر إجراء الاتصالات على حالات استثنائية، وأصبح الحلف ينعت روسيا بالدولة “المعتدية”.
ومؤخرا أكد نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر غروشكو، توقف التعاون بين روسيا والناتو في المجالين المدني والعسكري، واعتبر أن العلاقات وصلت إلى “طريق مسدود”.
في الوقت ذاته دعا كورتيس سكاباروتي القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا إلى إعادة الحوار مع روسيا، وأعرب عن قلقه لما آلت إليه الأمور، وقال كان فهمنا خلال الحرب الباردة أكثر للإشارات القادمة من بعضنا البعض.
وفي سياق متصل، ذكر مقال نشرته مؤخرا مجلة “وول ستريت” أن كل من وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولز ووزير الدفاع ويليام بيري والسناتور السابق صمويل نان وجهوا نداء للرئيس ترامب بـ “إعادة ضبط” العلاقات مع الكرملين وتعزيز حوار الناتو مع روسيا.
لكن هذه النداءات لا تقابل بجدية في موسكو التي تسودها في السنوات الأخيرة حالة من عدم الثقة بواشطن لعدة أسباب أهمها تعريض أمن أوروبا للخطر جراء انسحاب الولايات المتحدة زعيمة الناتو من معاهدة إزالة الصواريخ القصيرة ومتوسطة المدى، مما سيجبر بلدان الحلف على موافقة الناتو بنشر صواريخ هجومية في أوروبا ترى فيها روسيا تهديدا مباشرا لأراضيها.
علاوة على توسع الناتو باتجاه الشرق فبعد أن ضم جمهورية الجبل الأسود في البلقان يحاول الحلف جعل مقدونيا العضو الثلاثين، بالإضافة إلى إجرائه مناورات عسكرية بانتظام على الحدود الغربية لروسيا، وتسليح واشنطن للجيش الأوكراني والشروع ببناء محطات عسكرية لها على الأراضي الأوكرانية الملاصقة لحدود روسيا الغربية.
وفي السنوات الأخيرة، اعتاد الغرب على تحميل روسيا مسؤولية ما يحدث من وقائع سيئة في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي من تدخل في سير الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى دعم احتجاجات “السترات لصفراء” في فرنسا، فضلا عن اتهامها بصرف أموال طائلة على الصناعات العسكرية بهدف زعزعة الاستقرار في أوروبا.
وإذا ما نظرنا للأمر بشكل موضوعي نجد أن الحقائق على أرض الواقع تقول غير ذلك، فموازنة الناتو لعام 2018 تجاوزت التريلون دولار، فيما الموازنة التي خصصتها روسيا للإنفاق الدفاعي في العام ذاته كانت أقل من هذا الرقم بـ 22 مرة، في الوقت ذاته لم تصل الموازنات الدفاعية لكل دول العالم بما فيهم روسيا في 2018 إلى التريلون دولار.
وبعيدا عن اللعب بالنار وبمصائر الشعوب يبقى خيار العودة إلى الحوار هو الأفضل أمام الجانبين واستثناءه يعني الانزلاق رويدا رويدا نحو حرب كارثية ليست في مصلحة شعوب روسيا والغرب، ولا تصب في صالح الأمن والاستقرار الدوليين، وما يزال صوت الساسة العقلاء في روسيا وبلدان الحلف هو المسيطر، وهم أكثر من يدرك حجم الدمار وملايين الضحايا التي ستسقط في حال اندلاع حرب بين روسيا والناتو.