يشكل انتخاب برهم صالح رئيسا للعراق وتكليف عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة العراقية فسحة أمل هي الأكبر أمام بلاد الرافدين منذ عام 2003، وقد يساهم في حال نجاح العراقيين بالاستفادة من الفرصة في إحداث نقلة اقتصادية للعراق وتحسين علاقاته الإقليمية عبر إبعاده عن لهيب المحاور.
إجراء الانتخابات العراقية وتتالي التصويت والتعيينات بعد ذلك، هو بحد ذاته إنجاز للعراقيين. فرغم التشنج الإيراني ـ الأميركي داخل العراق، واستعراضات قاسم سليماني، وتلويح تنظيم “داعش” وخلاياها بالعودة إلى الأنبار، حملت الانتخابات انفراجا سياسيا ثمينا للعراق، سيكون مفتاح تحييد بغداد عن الأزمات الإقليمية المقبلة. إلى جانب هذا، فإن الشخصيات التي انتخبت تقدم نافذة أمل للعراقيين، أكثر من أي وقت مضى، بسبب استقلاليتها واعتدالها وإدراكها للتحديات الاقتصادية والمدنية أمام البلاد.
فعلى مستوى الرئاسة؛ لدى الرئيس المنتخب برهم صالح من الكفاءة والاعتدال والانفتاح الداخلي والدولي ما يكفي لتقوية الموقع نفسه والمساهمة بالدفع بأجندة أكثر إصلاحا وتمدنا في الحكم. فبرهم صالح لم يحمل السلاح يوما، وغادر إلى بريطانيا وتتلمذ في جامعاتها هربا من استبداد البعث، كما أن انفتاحه على كافة الأطراف إلى جانب تقديره وعمله لعلاقة أقوى بين بغداد وأربيل ستساعد في تمتين تعاضد العراق ووحدة أراضيه.
وكانت أول خطوة لصالح تسمية عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة. وهنا نتحدث عن شخصية لها سيرة طويلة في حياة العراق السياسية. فمن البعث إلى الشيوعية إلى الإسلامية الشيعية، اختبر عبد المهدي عدة مدارس سياسية قبل أن يصبح مستقلا، وهذه الاستقلالية اليوم تضعه في موقع استثنائي لتأليف الحكومة.
طبعا لعبد المهدي علاقة جيدة بإيران، كما لبرهم صالح علاقة جيدة بالأميركيين، إنما كلاهما يحظيان بمستوى فريد من الاستقلالية والتكنوقراطية ستنعكس في الأداء والتوجه السياسي العراقي في المرحلة المقبلة. فصالح شغل سابقا منصب وزير التخطيط، وعبد المهدي شغل منصب وزير النفط، وخاضا محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقوية البنية الاقتصادية للعراق.
ستكون المهمة الاقتصادية الأصعب أمام الحكومة العراقية المقبلة، مع اقتراب العقوبات النفطية على إيران، ومواجهة رابع أكبر دولة منتجة للنفط أزمات كهرباء ومياه وبطالة لا يستحقها العراقيون. يجب أن تكون مكافحة الفساد، ووضع خطة للبنية التحتية العراقية وإقرار قانون النفط في مجلس النواب، من أولويات الحكومة المقبلة. أما على المستوى السياسي فمصالحة العراقيين داخليا، وتحسين آلية الحكم والتواصل بين إقليم كردستان وبغداد، إلى جانب تأهيل مناطق الأنبار اقتصاديا وأمنيا وسياسيا هي ضرورية للعودة بالعراق عن حافة الهاوية.
خارجيا، هناك معرفة مباشرة وشبكة علاقات دولية متينة أسسها كل من برهم صالح وعبد المهدي شرقا وغربا ويمكن الاستفادة منها اليوم. فتحييد العراق عن اللهيب الإقليمي سواء بين أميركا وإيران أو تركيا وحزب العمال الكردستاني يتم بتوجه خارجي معتدل طبع سيرة القيادة العراقية الجديدة لعقود. كما سيساعد هذا الأمر باستمرار تحسن العلاقة بين العراق ومحيطه العربي وهنا تبرز زيارات رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي إلى كل من الكويت ومصر كأول زيارات خارجية له.
التحديات أمام العراق هائلة بحجمها ومخاطرها الاقتصادية والأمنية والسياسية، إنما النجاح بالعملية السياسية وإيصال شخصيات تتمتع بالكفاءة إلى مناصب القيادة فيه فرصة وبصيص أمل للعراقيين. ولعل تغريدة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي مهنئا عبد المهدي ترسيخ لهذا الأمل “متمنيا لكم النجاح في تشكيلها واختيار من هو الأصلح لشغل المناصب الحكومية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين سائلا العلي القدير أن يأخذ بأيديكم لما فيه عز العراق وشعبه وحفظ أمنه ورفاهه”. هذا التآخي واحترام عملية الانتقال السياسي هو استثنائي في عالمنا العربي، ومدعاة فخر للعراقيين.
الحرة