مهاجرون
كابوس الحرب يلاحق اللاجئين من السودان إلى ليبيا
ـ طرابلس ـ يجد مهاجرون سودانيون، كانوا قد لجأوا إلى ليبيا هربا من أعمال العنف في دارفور في غرب السودان، أنفسهم عالقين في القتال الدائر منذ ثلاثة أسابيع بين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وقوات المشير خليفة حفتر.
وتحوّل ملعب مدرسة أحمد بن شتوان للتعليم الأساسي في وسط العاصمة طرابلس إلى مساحة لنشر الملابس المغسولة. وفي قاعات الدراسة أزيحت الكراسي والطاولات إفساحا في المجال لوضع الفرش أرضا.
وعلى اللوح توقّف الزمن عند يوم 16 نيسان/أبريل حين غادر التلاميذ والمعلّمون المدرسة التي اغلقتها السلطات وتحوّلت مذّاك إلى مركز لاستقبال العائلات النازحة.
وفي حين لا تزال الأروقة المتعددة الألوان تضج بضحكات الأطفال وصراخهم وتسابقهم، تجد في الظل ذويهم متعبين والحزن يملأ عيونهم.
وتقول علوية الأربعينية وهي أم لثلاثة أولاد “لقد هربت من الحرب، لأجد نفسي عالقة في حرب أخرى”.
“لا حياة هنا”
وعلوية سودانية أصلها من دارفور التي دمّرتها الحرب وقد هربت إلى ليبيا لتقيم في الساعدية الواقعة جنوب غرب طرابلس مع أولادها البالغين 12 عاما، و11 عاما، بالإضافة إلى رضيع يبلغ بضعة أشهر.
وتروي علوية “في البداية كنا نعتقد أن المعارك ستتوقف بعد يومين أو ثلاثة. بعد ذلك بدأت الطائرات بإلقاء القنابل. أخذت أولادي وخرجت من دون وجهة محددة”.
وبحسب تقديرات السلطات الليبية والأمم المتحدة فقد فر نحو 35 ألف مدني هربا من المعارك إثر هجوم قوات المشير خليفة حفتر على طرابلس، مقر حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا.
وفيما يلجأ القسم الأكبر من الليبيين إلى أقاربهم، يضطر المهاجرون الذين لا تمتلك السلطات أي تقديرات لعددهم إلى تدبّر أمورهم بأنفسهم.
فغالبية اللاجئين إلى مدرسة أحمد بن شتوان، ويقارب عددهم المئة، أصلهم من دارفور ويتولى الهلال الأحمر الليبي رعايتهم.
وبصوت مرتجف يقول عبد الرسول البالغ 38 عاما “نشعر بالقليل من الأمان. سمعنا أن المعارك مستمرة لكننا استعدنا قليلا الابتسامة. لدينا المياه والطعام”.
وتشكل المدرسة بالنسبة له وجميع قاطنيها فصلا جديدا من فصول مؤلمة. ويذرف عبد الرسول الدموع عندما يتحدّث عن قريته في دارفور “المدمّرة كليا” وعن أفراد عائلته الذين قُتلوا عام 2003 وعن مخيم اللاجئين في كلمه حيث أقام منذ العام 2004، وعن توجهه إلى مصر في عام 2013 ومنها إلى ليبيا.
وفي ليبيا انتقل من بنغازي (شرق) إلى مرزق (جنوب) وتعرّض للخطف ثلاث مرات قبل أن ينتهي به الأمر في طرابلس في أيلول/سبتمبر “من أجل عبور البحر نحو أوروبا” حسب قوله، مضيفا لكن “فجأة اندلعت الحرب هنا”.
وفي 11 نيسان/أبريل هرب مع زوجته وابنتيه البالغتين ثلاث وخمس سنوات وعائلات أخرى تضم “حوامل وأطفال”. ويقول “لقد مشيت ساعتين أو ثلاث قبل ان يخبرنا سائق سيارة أجرة أن هناك مركزا للهلال الأحمر الليبي على مسافة غير بعيدة”.
ويعدد عبد الرسول منطقتي قصر بن غشير وعين زارة ومدرستين أخريين في طرابلس… مضيفا “تلاحقنا الحرب أينما توجّهنا”.
ويقول بحسرة “يجب على المنظّمات الدولية أن تساعدنا”، مضيفا “حتى بعد (انتهاء النزاع) لا حياة لنا هنا، ليس لدينا الإذن (بالبقاء)”.
ويمارس عبد الرسول بعض الأعمال مثل تنزيل البضائع أو خدمات المباني، ويقول وقد اغرورقت عيناه بالدموع “المعيشة هنا صعبة”.
“لا خيار”
وللمهاجرين هدف واحد هو “العبور” إلى أوروبا لكي لا يذهب خروجهم من بلادهم سدى.
ويروي رجل آخر أن جماعة مسلّحة “على الأرجح من غير الليبيين” اعتقلته في الصحراء. ويضيف “لقد اغتصبوا زوجتي. إنها حامل منذ شهرين، لا أعلم ما إذا كان الجنين طفلي”. وتقول جيهان حسين البالغة 26 عاما وقد غطّت وجهها بحجاب “لقد عانينا في الطريق ونعاني هنا”.
وقد وصلت “قبل سبعة أشهر ونصف” مع زوجها وطفليها “عبر الصحراء”. وتقول “في أحد الأيام اقترب ليبي من زوجي وسأله إن كان يريد ان يعمل. ومنذ أن اصطحبه لم نعرف عنه شيئا”.
وقد افترشت حسين الطرقات وركام منزل مدمّر وتعرّضت للاغتصاب. وتقول “لقد تعبنا”، مضيفة “لا أملك المال. أنا مستعدة لبيع أحد أعضائي. إذا اقتضى الأمر أن أبيع كلية، أبيعها وأتوجه بحرا إلى أوروبا. لم يعد لدينا أي خيار”. (أ ف ب)