أوروبا
نوتردام تلفها مشاعر الانفعال والتضامن… كما التبرعات والجدالات
ـ باريس ـ عشرة أيام بعد حريق نوتردام الذي هز العالم، يرتفع في آن واحد زخم التضامن والجدل يومياً، بينما تتحضر الحكومة لتقديم مشروع قانون خلافي في البرلمان لترميم الكاتدرائية في غضون خمسة أعوام.
فتحتَ عنوان “ترميم نوتردام في باريس والحفاظ عليها”، سيطرح مشروع القانون الخلافي نظراً إلى الاستثناءات التي يسمح بها تجاه قواعد المشتريات العامة وحماية التراث، أمام لجنة الشؤون الثقافية في 2 أيار/مايو، وأمام جلسة عامة للبرلمان في الأسبوع الذي يلي.
في الموقع يعمل نحو 80 شخصاً على وضع ما يشبه مظلة فوق الكاتدرائية قبل نهاية الأسبوع. وبعد أن استُبعدت مخاطر حصول انهيارات في الكاتدرائية، أعيد افتتاح محطات المترو المجاورة لها أمام الركاب.
وتتواصل زيارات المهندسين والمحققين والخبراء الى المكان، كما تستمر الاجتماعات ذات الطابع التقني حول ما تركته النيران والمياه من أضرار، وحول سبب الحريق الذي لم يُحدد بعد بشكل رسمي، رغم ترجيح كفة الحادث العرضي نتيجة ماس كهربائي.
ويقول أحد رؤساء تجمّع مؤسسات ترميم المعالم التاريخية فريديريك ليتوفيه، إنّ تأمين الموقع سوف يستغرق تقريباً “مدّة أربعة أشهر”. وستزرع شبكة دعائم تحت القبة وفوقها بغية تجنّب أي انهيار. وفي الأثناء، تتم إزالة نحو ألف متر مربّع من الزجاج الملوّن.
وقد انتهت العمليات الأولى بنجاح: فقد تم نقل اللوحات الضخمة من الكاتدرائية الى متحف اللوفر من دون وقوع أضرار.
وإدراكا منه برمزية نوتردام في الوعي الفرنسي، سارع الرئيس إيمانويل ماكرون في اليوم التالي للكارثة الى التأكيد بأنّ الكاتدرائية سيعاد بناؤها “أكثر جمالاً” قبل الألعاب الأولمبية المرتقبة عام 2024، وذلك في خطاب رسمي ألقاه في الاليزيه.
هل استعجل ماكرون ؟
جرى الترحيب بإعلان ماكرون، لكن البعض الآخر اعتبره “عملاً متسرعاً” من قبل رئيس الدولة الذي يواجه صعوبات في ظل تحركات “السترات الصفراء” ويرغب في استعادة زمام المبادرة انطلاقاً من مسألة توافقية.
الجدل الأول: لا يوافق الخبراء على إمكانية التقيّد بالمهلة. الجدل ليس حول الأعمال التي يمكن للتكنولوجيا الحديثة تسهيلها، وإنّما حول المرحلة الاولية الخاصة بالتحضيرات. ويشدد خبراء الآثار على أنّ “الوقت الطويل” ضروري لترميم الأحجار القديمة ويجب أن يُحترم ذلك لئلا تكون الأعمال غير متقنة.
وانطلق نقاش معمق بشأن الهيكل الخشبي: هل يجب أن يُعاد بناؤه بخشب السنديان، ما يعني وقتاً طويلاً، أو عبر استخدام الإسمنت أو المعدن؟
كما أنّ المسابقة الدولية للمعماريين التي جرى الإعلان عنها بشكل مفاجىء لإعادة بناء السهم الشهير فوق الكاتدرائية، أثارت الجدل أيضاً. فالمشروع الذي سيؤخذ به سيحدد ما إذا كان السهم الذي رفعه المهندس اوجين فواليه لو دوك في القرن التاسع عشر، سيُعاد بناؤه من جديد، أو أنّ الأمر سيخضع ل”لفتة معمارية معاصرة”، على غرار ما قاله رئيس الدولة.
“مشاهير الهندسة المعمارية”
ثمة خلاف آخر وقع بين أولئك الذين يرغبون باحترام الطابع الروحي في البناء، وبين من يبحثون عن التحرر منه. وتبرز مسائل مثل إقامة قاعات للزائرين على السقف وإعادة بناء السهم باستخدام الزجاج كأولى المقترحات المزعجة التي قدّمها مشاهير الهندسة المعمارية.
تزامناً، تدفقت الهبات كما لم يحصل أبداً من قبل. اقترب مجموعها من مليار يورو: متبرعون كبار مثل بينو، أرنو، أو توتال، أو حتى من أفراد.
هذه الوفرة التي ظهرت بينما لا تتعدى كلفة الأعمال 600 أو 700 مليون يورو، أدت إلى خلاف آخر. فالحكومة تعد بأنّ أموال المتبرعين ستذهب إلى نوتردام، في وقت يُطرح سؤال: لماذا لا يوزّع الفائض على كاتدرائيات وكنائس أخرى مهددة؟
آخر الجدل وأبرزه ولد إثر عرض مشروع القانون بشكل سريع على مجلس الوزراء: إنّه “مشروع مغرض” وفق الخبير في مجلة “تريبون دو لار” ديديه ريكنر، و”مقلق” وفق مقدّم البرامج التلفزيونية ستيفان بيرن.
فهذا المشروع يقترح حوافز ضريبية للمتبرعين… ولكن بالأخص: تدابير لعدم التقيّد ببعض الأحكام القانونية بما يخص المشتريات العامة وحماية التراث، بالاستناد إلى مراسيم.
والهدف من ذلك عدم إبطاء إقامة التشييدات المؤقتة قرب الكاتدرائية. وبررت وزارة الثقافة الأمر بإقامة مرافق بناء في ساحة الكاتدرائية.
وقال ديديه ريكنر ساخطاً إنّ ما يجري بمثابة “تخل عن الإجراءات المعتادة لترميم المعالم التاريخية”.
حوار حام تتحضر له الجمعية الوطنية، في وقت تتقدم فيه ببطء أعمال التنظيف والتحقيق في مصدر الحريق. (أ ف ب)