سمير عطا الله
في العاميات العربية تقال في أشكال مختلفة تعبيراً عن غرض واحد. المصرية: مش ممكن. اللبنانية، بالطه والظه مغلظتين: مش ظابطه. بالكويتية: اشحقه؟. بالجزائرية والسودانية: مليون خلف مليون، على الشرفات وعلى الشجر وعلى مداخل وزارات الدفاع: آسفون، لا عسكر بعد اليوم. نصف قرن تجارب، يكفي. ثورات وإعدامات سياسية، وثكنات تحارب ثكنات، ودبابات منتصرة في الداخل ومحروقة الخراطيم على الحدود، وشعوب جائعة ومليارات في منزل المشير البشير، وأوسمة على الصدور بالكيلو من دون معركة واحدة، وشارل ديغول وآيزنهاور يربحون الحرب العالمية ولا يحرزون سوى نجمة واحدة، وملازم يقتحم عرش ليبيا ويزين صدره وقبعته وكتفيه بجميع منتجات الأوسمة والأشرطة، ويعين خيمته دولة، وفي السودان يأتي مشير ويعين عصاه مكان العلم، ويرفع رقيب أول في اليمن رتبته إلى مشير، ثم إلى رئيس أبدي، ولو أنه، على الأقل، كان ظريفاً وعارفاً بالناس.
نصف قرن ويزيد. عسكر ووعود. وهذه المرة نزل السودانيون والجزائريون إلى الشوارع ولن يصدقوا. ويعرفون أن السلاح الذي يحمله العساكر أغماد فارغة. ولن يستطيعوا إطلاق النار ولا السجون تتسع – على ضخامتها وعددها – لجميع الشعب. تأخر العسكر في كل شيء. كل شيء. في تأدية الواجب العسكري، وفي إعطاء الحقوق المدنية وفي قياس نبض الناس.
لذلك، لن يترك المدنيون هذه الفرصة أيضاً. وعدهم مشير اليمن بأنه لن يجدد ثم أغرق البلد بحرب من أجل حفنة من السنين. ووعدهم مشير السودان بأنه لن يطلب ولاية إضافية، ثم شاهدوه يؤدّي في وجوههم رقصة العصا. وتخيلوا كل شيء، إلا أنه حوّل منزله إلى مصرف مركزي يكفي ما جمع فيه لدعم الجنيه السوداني من الهبوط تحت الحضيض بألف حضيض.
لذلك، لم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن. وهم يعرفون بالتأكيد أن بين ضباطهم من يستحق الثقة والتقدير، بل يعرفون أنه لم يعد في إمكان أحد أن يكرر تجربة الجنوب ودارفور والمحكمة الدولية وبن لادن وكارلوس وعرس العشرة آلاف مدعو، ولكن كم مرة يمكن أن يُلدغ المؤمن؟
لهذا تزداد أعدادهم، برغم إغلاق مداخل العاصمة، وما زالوا على الشرفات وفوق الشجر. وليس بمحض اختيارهم. فقد كانوا يتمنون لو أن جيوشهم تركت لهم دولة مدنية سليمة تعمل بالعدل والتقدم والترقي غير غارقة في البطالة والعوز، بينما يكدس المشير ملياراً من صنف اليورو وحده.