تحقيقات

Me Too Gaza# تفتح فضاء “صريحا” عن التحرش الجنسي في غزة

رويدا عامر

غزة ـ من رويدا عامر ـ حملة “مي تو” ضد التحرش الجنسي وصلت قطاع غزة وفتحت هامشا كبيرا للفتيات للحديث عن ظاهرة التحرش الجنسي في مجتمع محافظ، كمجتمع غزة، ومدى تأثير الظاهرة على نفسية الفتيات ضحايا التحرش الجنسي من مختلف الأعمار.

حملة “مي تو” ضد التحرش الجنسي وصلت قطاع غزة وفتحت هامشا كبيرا للفتيات للحديث عن ظاهرة التحرش الجنسي في مجتمع محافظ، كمجتمع غزة، ومدى تأثير الظاهرة على نفسية الفتيات ضحايا التحرش الجنسي من مختلف الأعمار.

التحرش ظاهرة تتعرض لها الفتيات بكثرة، فإن وجودها في مجتمع كغزة له عادات وتقاليد محافظة يسبب لهن حالة من الخوف والكتمان وترك أثر نفسي يؤدي بهن الى الانعزال وفقدان ثقتهن بأنفسهن وبالمجتمع من حولهن، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي أنقذتهن بكسر حاجز الخوف والحديث عن التحرش بكل قوة وثقة.

عبير(27 عاماً) تعرضت للتحرش بعمر 16 عاماً ولم تستطيع اخبار أحد بما حدث معها خوفاً من ردة الفعل التي قد تكون غير منصفة لها، إلى حين متابعتها لصفحة ” Me Too” على تويتر، حيث أخبرت عبير DW ما حدث معها قائلة: “عندما كنت في التاكسي جلس بجانبي شاب يلتصق بي ويتصرف بغرابة وحركته كثيرة، خفت منه حتى وصلت البيت، وهذا الأمر أثر على نفسيتي بشكل كبير ومنذ ذلك الوقت لا أركب سيارة وبجانبي شاب”.

ولكن عندما تابعت عبير حملة(Me Too) التي أنشأت لتسمح للفتيات بالكشف عن التحرش الذي تعرضن له، أصبح لديها جرأة لمشاركة قصتها، قائلة: “في البداية كان لدي حالة خوف كبيرة وفضلت أن أكون فتاة انطوائية، ولكن عندما تابعت هذه الصفحة ووجدت أنها تعطي فرصة للفتيات بالبوح عن التحرش الذي تعرضن له كوسيلة لكسر حاجز الخوف والانطلاق لمرحلة جديدة، شعرت براحة نفسية دعمتني بشكل كبير وشاركت قصتي مع الفتيات، وأنا أنصح بأن لا تسكت الفتيات عن التحرش لأنها سوف تعاني كثيرا بالعيش في حالة خوف والفاعل يعيش حياته وكأنه لم يحدث شيء”.

التحرش متنوع الصور

هناك العديد من المواقف التي تتعرض لها الفتيات يومياً من التحرش بشكله اللفظي والجسدي، ولكن الجسدي يترك أثراً كبيراً في نفسية الفتاة، فإن حدوث التحرش في مرحلة الطفولة يشكل شخصية ضعيفة جداً بعد البلوغ، حيث لا تستطيع مواجهة المجتمع، وهذا ما حدث مع وفاء (30 عاماً) حيث قالت: “عندما كنت طفلة بعمر 10 أعوام ذهبت لأشتري من دكان بجوار البيت، ولكن صاحب الدكان كان ينظر لي نظرات غريبة ومن ثم يقترب مني بشكل كبير حتى أصبح يلتصق بي كثيرا لدرجة اللمس، خرجت بسرعة من الدكان ولم أعود له مرة أخرى. وكانت عائلتي تضربني عند رفضي للذهاب إلى الدكان، ولكني لم أستطيع اخبارهم به وشعرت بأنه شيء مخجل ومعيب لا يمكن لأحد معرفته. وتكرر ذلك معي أكثر من مرة حتى أصبحت أخاف من الذكور بشكل كامل.

ولكن عندما تابعت Me Too وجدت أن هناك ذكورا يحاربون هذه الظاهرة وأن هذه العادة غير منتشرة لدى جميع الشباب، وهذا الأمر شجعني أكثر لكي أرسل قصتي على موقع صراحة الخاص بهم، لكي أكسر حاجز الخوف الشديد والذي منعني من الزواج حتى الآن”.

Me Too – Gaza

Me Too-Gaza صفحة على تويتر مشابهة لحملة عالمية مشهورة انتشرت في عام 2017 وكان لها أثر كبير، أنشأتها ثلاثة فتيات في العشرينات من أعمارهن أنهوا دراستهم الجامعية بمختلف التخصصات، تعرضن للتحرش في حياتهن ولم يكشفن ذلك لأحد أبداً، إلى أن قررن أن يخرجن من حالة الصمت إلى العلن ومساعدة الفتيات على أن يمشوا بخطاهن والحديث عن حالات التحرش التي تعرضن لها.

حيث قالت إحداهن لـDW عربية:” قررنا بأن ننشئ صفحة على تويتر وكان اختيارنا لموقع التواصل الاجتماعي تويتر بشكل عشوائي دون سبب يذكر. بدأنا بأنفسنا للحديث عن التحرش ولكن دون ذكر الأسماء وذلك لأن المجتمع محافظ من الدرجة الأولى ويلوم الفتاة ولا يلوم الشاب بالتحرش وكأنها هي المذنبة والمخطئة بالأمر”.

اختارت الفتيات موقع صراحة لاستقبال قصص اللواتي تعرضن للتحرش، حيث يسمح هذا الموقع بالحديث دون إظهار الاسم، وهذا ما أعطى الفتيات حرية أكبر في الحديث عن حوادث التحرش التي تعرضن لها، يوجد العديد من الفتيات مازالوا لا يستطيعن الحديث عن قصص التحرش التي تعرضن لها خوفاُ من المجتمع وهذه تكون حالة من التطور في الأثر النفسي الذي سببه التحرش لهن.

هذا ولاقت الصفحة أكثر من 2000 متابع خلال شهر من إنشائها وذلك لتجاوب المتابعين مع الفكرة. إلا أن هناك بعض المعارضين للفكرة لكون هذا الموضوع حساسا بعض الشيء ويخالف عادات المجتمع المحافظ والتي تعتبر هذه المواضيع معيبة جداً ولا يمكن الحديث فيها.

قصص يومية

تقول احدى القائمات على الفكرة: “نستقبل العديد من القصص يومياً وهناك قصص من دول مختلفة، ولكن هذه الصفحة فقط انشأت من أجل الفتيات في غزة. بعض التعليقات تكون ايجابية ومشجعة تدعمنا والبعض الآخر هجومي ورافض للفكرة، ولكن نحن لا نهتم بها أبدا وهي تشجعنا على الاستمرار بالحديث عن هذه الظاهرة”.

اخفاء أسماء الفتيات والمتابعات لهن اللواتي يشاركن الصفحة قصص التحرش يعتبرن ذلك سرية وخصوصية لهن، حيث لم نصل في المجتمع الى تفهم هذه الظاهرة بالشكل الذي يضع اللوم على الفاعل بدلاً من لوم الفتيات بذلك دائماً.

الأثار السلبية للصمت

هذا ويترك التحرش آثار سلبية على حياة الفتاة والبعض منهن تسوء حالتهن النفسية ويصبح لديهن كره لأجسادهن وبسبب الصدمة ولا يوجد توعية لكيفية التعامل معه، ومن خلال خبرة الفتيات في هذا الموضوع يرشدن بعضهن ويدعمهن. وإذا كان الأمر أكبر من قدراتهن يتم إرسالهن إلى مراكز ومؤسسات قد تساعدهن في تخطي آثار الصدمة من التحرش، مثل مركز شؤون المرأة الذي أعلن سابقاُ عن نسبة14% من النساء يتعرض للتحرش والعنف الجنسي، والاحصائيات غير كاملة لعدم افصاح الفتيات عن حالات التحرش التي يتعرضن لها.

محمد أبو القمبز الخبير في الإعلام الاجتماعي والذي تحدث مع DW عربية عن عوامل نجاح هذه المبادرة في مجتمع محافظ كغزة، قائلاً:” كمبادرة تعتبر كسر حواجز الخوف من ناحية المواضيع التي يخاف الناس الحديث عنها بسبب العادات والتقاليد التي تمنعهم من الحديث عنها، ووجود مبادرة كهذه تعتبر مؤشر ايجابي في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي والأعداد الكبيرة فيه، فإن استمرار نجاح هذه المبادرة مرتبط بمدى تقبل المجتمع لها في المرحلة الأولية التي قد يكون فيها رفض ونفور لأنها مخالفة لطريقة تفكير المجتمع، ولكن في مراحل مستقبلية يكون لها نسبة تقبل أكثر ويرتبط ذلك بوجود فتيات يشاركن قصصهن على الصفحة، وعادة نسبة كبيرة منهن يشاركن في مجموعات مغلقة ولكن المختلف في المبادرة أنها تظهر بشكل واسع وعام”.

ويضيف قائلاً: “إن المبادرة هي ترجمة لتزايد الوعي باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن قضايا حساسة مختلفة من بينها التحرش، حيث يوجد ما يقارب 300 ألف مستخدم لتويتر في غزة، ولاستمرار نجاح المبادرة يجب أن يكون لدى الفتيات القائمات عليها تقبل للرأي والرأي الآخر والايمان به والتمسك بالفكرة، بالإضافة الى توجيه الفتيات وارشادهم وتوعيتهم للإفصاح عن المضايقات التي يتعرضوا لها”.

على الرغم من الحياة غير المستقرة في غزة، من ظروف اقتصادية سيئة وحالة سياسية غير مستقرة تشغل بال الغزيين ويعطونها اهتمامهم الأكبر، إلا أن المبادرة فرضت نفسها وشكلت حالة من الاستغراب والنقاشات الطويلة، حيث لا يوجد قوانين تعاقب المتحرش بشكل رادع لتختفي الظاهرة تدريجيا في المجتمع.

ورغم أن القوانين في غزة تعاقب بالسجن لجريمة هتك الأعراض بدون استعمال القوة أو التهديد، غلا ان المشكلة تكمن في عدم اعتراف المسؤولين في القطاع بوجود ظاهرة التحرش الجنسي، سيرا على مبدأ ما لا يجوز أخلاقيا، لا يوجد في المجتمع اساسا. ولأن التحرش الجنسي ظاهرة معيبة ومخالفة للعادات والتقاليد السائدة، فإن الفتيات والنساء يجدن صعوبة بالغة في رفع شكاوى قانونية تحت مسمى التحرش الجنسي ويفضلن الصمت والكتمان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق