أقلام مختارة

أردوغان في حالة صعبة.. علينا أن نتفهم ذلك

الحبيب الأسود

الحبيب الأسود

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حالة نفسية صعبة، علينا أن نتفهم ذلك ونتعامل معه، فالرئيس التركي الذي كان يزعم قبل عشر سنوات أنه يتجه إلى صفر عداوات وفق تخطيط المنظر الإستراتيجي لحزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو، بات اليوم يقارب من معادلة صفر صداقات، وهو ما اعترف به أوغلو نفسه مؤخرا.

الوضع في الداخل التركي مربك لنظام أردوغان، هناك فشل يتهدد مختلف المجالات وخاصة الوضع الاقتصادي المتدهور ما أثر سلبا على حياة مواطنيه، لذلك يحاول السلطان الهارب إلى التاريخ، التخفي وراء الاستعراض بزعم بناء أكبر مسجد وأكبر مطار في العالم مثلا، أو باستعراض عضلاته في قراءة الوضع العربي، مصدّقا أنه يمكن أن يكون وصيا على العرب.

اتجه أردوغان إلى اعتماد لغة التهديد والوعيد وهو يتحدث عن ليبيا، قال إن “تركيا ستقف بقوة إلى جانب أشقائها الليبيين كما فعلت في السابق، وستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة”. والأشقاء الليبيون بالنسبة له هم الإخوان الفاقدون لشرعية الشارع والميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية التي تتخذ من بلاده مشفى وملاذا وممرا ومستقرا، حسب ما تستدعيه الظروف، وعلى رأس هؤلاء وأشقاؤه الليبيون هم مسلحو مصراتة وساستها المغرقون في الجهوية والأدلجة وفي الحنين إلى عهد الاحتلال العثماني.

أما الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي، المدن والقبائل والقرى والأرياف والجيش الوطني، فهم ليسوا من أشقائه الليبيين، وعندما يتقدم هؤلاء لتحرير بلادهم من الإرهاب والميليشيات، تصبح ليبيا “تشكل مسرحا لسيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة. من جهة هناك حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ومن جهة أخرى يوجد دكتاتور مدعوم من أوروبا وبعض الدول العربية” وفق تعبيره.

لا أحد يعرف بالضبط ماذا يقصد أردوغان بالحكومة التي تتلقى شرعيتها من الشعب، فالمعروف أن حكومة المجلس الرئاسي تم فرضها من الخارج ضمن مخرجات اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، ولم تحصل على ثقة البرلمان المنتخب من الشعب في يونيو 2014 في انتخابات حرة ونزيهة، انقلب عليه الإسلاميون من خلال منظومة “فجر ليبيا” الإرهابية التي كانت مدعومة من أنقرة والدوحة، وأدت بإرهابها إلى مفاوضات نتج عنها الاتجاه إلى إعادة رسكلة الإخوان في الصخيرات.

أما عن الدكتاتور، فأردوغان يقصد المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، الذي أطلق عملية الكرامة في مايو 2014 لتحرير بلاده من إرهاب متعدد الأقطاب كان يسعى إلى خطف البلاد من أهلها، بدعم تركي قطري، واليوم يحظى المشير بدعم شعبي جارف جعله ينقل القوات المسلحة من 250 مقاتلا يستندون إلى جدار بنينا في بنغازي إلى قوة ضاربة يصل تعدادها إلى مئة ألف مقاتل كلهم ليبيون، ومن كل أرجاء ليبيا بما في ذلك مصراتة وطرابلس، وينجح في تحرير 90 بالمئة من مساحة بلاده الشاسعة من الإرهابيين والفوضويين.

وحتى نكون واضحين علينا أن ندرك أن أردوغان ينظر إلى العرب البدو نظرة دونية لا تختلف عن نظرة أجداده العثمانيين، ولأن أغلب الشعب الليبي من البدو، فإنه لا ينظر إلا إلى من يعتقد أن دماء عثمانية تجري في دمائهم وهم قلة، وهذا الموقف عبّر عنه تابعوه في ليبيا، ممن قالوا صراحة إنهم لن يسمحوا لبدوي بأن يحكم البلاد، في إشارة إلى المشير حفتر باعتباره ينحدر من إحدى القبائل البدوية وهي قبيلة الفرجان.

والليبيون قد يكونون من أكثر شعوب المنطقة اعتزازا بتاريخ مقاومتهم للأتراك، وببطولات رموز تلك المقاومة مثل عبدالجليل سيف النصر شيخ أولاد سليمان وغومة المحمودي شيخ قبائل المحاميد وزعيم المنطقة الغربية في ليبيا، واللذين قادا أكبر ثورتين ضد العثمانيين في شمال أفريقيا، كما أن من ينظر إلى أكثر من 25 مليون من أصل ليبي يتوزعون على دول الجوار مثل مصر وتونس والنيجر وتشاد والجزائر ومالي والسودان، سيدرك أن أجدادهم غادروا بلادهم فرارا من اضطهاد المستعمرين الأتراك، وما مذبحة شيوخ قبيلة الجوازي (مذبحة الجوازي في ولاية برقة وقتها شرقي ليبيا)، والتي تمت في سنة 1816، وقتل فيها أكثر من عشرة آلاف فرد من قبيلة واحدة إلا خير دليل على الصف العثماني، خصوصا عندما نعرف أن الباشا العثماني ادعى مهادنة القبيلة ودعا 45 من أعيانها وشيوخها إلى القلعة بغرض الإنعام عليهم، وبمجرد جلوسهم هجم عليهم الحرس الخاص وذبحوهم في مشهد تكرر في دول عربية أخرى، بكثير من الوحشية والعنجهية.

وبالعودة إلى أردوغان، فقد تحدث في نفس الخطاب عن السودان فقال إن “هذا البلد الذي يعد بمثابة القلب لأفريقيا، تعرض لتدخلات خارجية في جميع شؤونه خلال الفترة الماضية.

لقد قسموا البلاد أولا والآن يحاولون ابتلاعه”، والواقع أن تقسيم السودان جاء في ظل حكم حليفه عمر حسن البشير، والجماعة الإسلامية المنحدرة من رحم الإخوان الذين ينتمي إليهم، وكان عليه أن يعود إلى دوافع التقسيم وكيف حدثت، وأن يعي ولو قليلا أن السودان ما كان ليتجزأ لولا مغامرات الإسلام السياسي الذي فرض تطبيق الشريعة على غير المسلمين، وحوّل الخرطوم في بداية التسعينات إلى دار الخلافة ومأوى تنظيم القاعدة، والداعم الأبرز لجماعات الإخوان والمتآمرين على دولهم وشعوبهم، كما كان عليه أن يبحث ولو قليلا عن دور حليفه القطري، وخاصة عندما اتصل الأمير السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، بالبشير ليقنعه بضرورة أن يوافق المجلس التشريعي القومي على قانون الاستفتاء حسب الرؤية الجنوبية، خصوصا مراقبة الحركة الشعبية الحصرية للاستفتاء، وذلك تنفيذا لتوصية خاصة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي تدخل في ذلك نزولا عند رغبة واعظ البنتاغون القس فرانكلين جراهام، والذي تدخل بدوره نزولا عند طلب زعيم الجنوب سيلفا كير.

يبدو أن أردوغان يعيش صدمة الإطاحة بحليفه السوداني، والمأزق الذي يواجهه أتباعه في ليبيا، وكذلك الإطاحة بحليفه الجزائري، في حين أن من يراهم أعداء أصبحوا أقوى من السابق، ويتعاونون ويتكاملون ويؤسسون قوة في المنطقة، وتحولوا إلى فاعل رئيس في القرار العالمي، ولديهم اقتصاديات نامية تتميز بصلابة في مواجهة العواصف والتحديات، وأصبحوا أكثر قدرة منه على تحريك الملفات وصناعة المستجدات، في حين ذهبت أغلب رهاناته مع الريح، لذلك يبدو في حالة صعبة، وعلينا أن نتفهم ذلك.

العرب اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق