أقلام يورابيا
إلحاق الجولان بسيادة “إسرائيل” ومعادلة تحقيق السلام الإمبراطوري
* جلال طلال سلمي
من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس إلى الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان السورية المُحتلة من قبلها منذ عام 1967، لا يألو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، جهداً في إبداء دعمه الصارخ لدولة الاحتلال، سعياً لتحقيق مكاسب سريعة تُدخله التاريخ من أوسع أبوابه؛ بمسمى الرئيس الأمريكي الأكثر قوةً وفعاليةً على مدار التاريخ، ورغبةً في تحقيق فرص سلوك مسارات بديلة مخالفة لكلاسيكية مسارات الإدارات الأمريكية السابقة التي عزفت عن الإقدام على هذه الخطوة. ولعل الظرفية السياسية المُسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، حيث حالة الفوضى العارمة، وبالتالي ظهور حالات فراغٍ في السلطة، مع انعدام القوى المركزية في الإقليم القادرة على التصدي بشكلٍ فعليٍ لهذا القرار.
وربما من الصائب الاختلاف جزئياً مع الباحثين الذين يشيرون إلى أن إدارة ترامب تسير بدون استراتيجية واضحة. ربما كان ذلك في الأيام الأولى لتوليه رئاسة الإدارة الحالية، لكن بإعلانه عن استراتيجية الأمن القومي في كانون الأول/ديسمبر 2017، باتت خطواته واضحة ومدروسة.
وبالنظر إلى فحوى الاستراتيجة المذكورة، يُلاحظ أن اعتمدت النقاط التالية:
ـ التأكيد على المصلحة القومية للولايات المتحدة؛ تحت شعار “أمريكا أولاً”.
ـ السعي لفرض السلام “عن طريق القوة”، وتعزيز النفوذ الأمريكي والمبادئ الديمقراطية حول العالم.
ـ اعتبار روسيا والصين دولتين تسعيان إلى تحدي النفوذ الأمريكي وقيّمه في العالم، بل ووصفهما، للمرة الأولى، بالقوتين الغريمتين للولايات المتحدة، حيث يسعيان للنيل من نفوذ قيّمها وثروتها. وفي ضوء ذلك، الإقرار بأن الأمن الاقتصادي هو أمن قومي، لا سيما فيما يتعلق بقطاع الطاقة، حيث يجب على الولايات المتحدة أن تسيطر عليه.
ـ زيادة القوة التجارية الأمريكية حول العالم.
ـ التركيز على نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية “المارقة”.
ـ التصدي أيضاً لطموحات دولة إيران “المارقة” التي وصفتها الاستراتيجية “بالنظام الدكتاتوري” الذي يزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ويهدف إلى تدمير الولايات المتحددة، ويدعم جماعات إرهابية دولية. ووصف الحقبة الجديدة من التنافس بحقبة “مواجهة نظم الحكم المارقة” التي تهدد الأمن العالمي.
ـ مجابهة الجمعات الإرهابية الدولية الساعية إلى العمل النشط ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ـ الإبقاء على كلاسيكية التعاون مع الحليف الاستراتيجي “أوروبا”.
وفيما يتعلق بنقطة السعي لفرض السلام بالقوة، تعكس إدارة ترامب ما يمكن أن نسميه الصراع من أجل السيطرة أولاً وبعدها من أجل السلام. وقد انعكس هذا المبدأ، بكل وضوح، في استراتيجية ترامب، حيث أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية ستسعى لفرض السلام عن “طريق القوة”، من أجل تعزيز “النفوذ الأمريكي” ـ أولاً ـ ومن ثم المبادئ الديمقراطية والسلمية حول العالم، فالقانون الدولي أو المجتمع الدولي لا يحقق السلام، لذا لا بد من استخدام القوة من أجل تحقيق السلام.
وهنا تعكس الاستراتيجية بتبنيها هذا المبدأ طموح الولايات المتحدة في تكريس جهدها من أجل الحفاظ على عالم أحادي القطبية، تفرض فيه الولايات المتحدة معادلات السلم والحرب وفقاً لمصلحتها القومية العليا، وليس وفقاً لما تقتضيه المبادئ المثالية من أجل السلم العالمي، أو حتى مبادئ التحرك الجماعي لتحالفاتها مع الدول الأخرى.
وفرض الولايات المتحدة للسلام بهذا الشكل، يجعلها تندفع نحو حالة ما يُسمى “السلام الإمبراطوري”، وهي تلك الحالة التي تسيطر عليها دولة واحدة على بقية الدول سيطرة كاملة، بما يوفر لها إمكانية فرض إرادتها على الدول الأخرى، على النقيض من حالة السلام المتوازن، التي تتشارك فيها الدول الإرادة، بحسب ريمون أرون. والظاهر هو أن الإدارة الأمريكية، بزعامة ترامب هذا ما تريده.
في الختام، يميل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى إحراز معادلات قوة تُثبت فرضية “أمريكا أولاً” على صعيد الساحة الدولية. “أمريكا أولاً” بما يعني أحادية القطبية التي تفرض فيها واشنطن معادلات قوة تُختم بسلام وفقاً لأهوائها وطموح حلفائها. وفي ضوء ذلك، يأتي قرار الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال على جولان في سياق فرض ترامب السلام الإمبراطوري على الساحة الدولية، وليس منطقة شرق الأوسط فقط.
* صحفي وباحث مُتخصص في شؤون العلاقات الدولية والعلوم السياسية