أقلام مختارة

هل أصبحت تونس محسوبة على التحالف القطري التركي الإخواني؟

الحبيب الأسود

الحبيب الأسود

تشهد تونس جدلا واسعا بعد فشلها مرة أخرى في الحصول على الإدارة العامة لمنظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية خلال الاجتماع الذي انعقد في نواكشوط الاثنين الماضي، وشهد انتخابات أدت إلى فوز الموريتاني محمد ولد عمر بمنصب المدير العام بأغلبية 15 صوتا مقابل 5 أصوات فقط للمرشح التونسي ناجي جلول، وهو ما رأى فيه جانب من التونسيين نتيجة مخيبة للآمال وفشلا ذريعا لدبلوماسيتهم وتراجعا لدور بلادهم على الصعيد العربي.

أولا لا بد من الإشارة إلى أن تونس حصلت على منصب المدير العام للألكسو في مناسبتين، كانت الأولى لدورتين من نصيب المنجي بوسنينة في الفترة ما بين الأول من فبراير 2001 والأول من فبراير 2009، والثانية لدورة واحدة من نصيب محمد العزيز بن عاشور من 1 فبراير 2009 إلى 1 فبراير 2013، والرجلان شغلا قبل وصولهما إلى هذا المنصب وزارة الثقافة في بلادهما، وفي عام 2012 وبينما كانت المنظمة تستعد لاختيار مدير عام جديد، رفضت حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة التجديد لبن عاشور باعتباره كان من وزراء زين العابدين بن علي، ودفع رئيس الدولة آنذاك منصف المرزوقي بمرشح آخر وهو عبداللطيف عبيد الذي كان ينتمي إلى حزبه، غير أنه فشل أمام مرشح دولة الكويت عبدالله محارب الذي تقلد المنصب في الأول من فبراير 2013 وتوفي وهو على رأس المنظمة في مايو 2017.

حازت موريتانيا الاثنين الماضي لأول مرة على منصب المدير العام، بعد نشاط دبلوماسي مكثف قامت به نواكشوط، حيث قام مبعوثون للرئيس محمد ولد عبدالعزيز بزيارات إلى مختلف العواصم العربية، كسبوا خلالها تعاطف أغلبية الحكومات، ووصل الأمر بالمملكة العربية السعودية إلى سحب ترشحها للمنصب لفائدة المرشح الموريتاني.

هذا الحدث، وإن كان يعتبر هامشيا بالنسبة لما يدور في المنطقة، إلا أنه يكشف عن عدة خلفيات مهمة، وهي أن تونس فقدت الكثير من تأثيرها العربي منذ عام 2011، ليس بسبب الثورة والمسار الديمقراطي كما يزعم البعض، ولكن بسبب التحول الذي عرفته السياسة التونسية في ظل سيطرة الإسلام السياسي، وهو أمر لم يعد خافيا على المراقبين. وقد أدى إلى سحب الدبلوماسية المحلية شيئا فشيئا، إلى المحور القطري التركي الإخواني، وقد تبين ذلك من خلال المواقف التي ما انفكت السلطات التونسية تتخذها إزاء عدد من القضايا العربية، آخرها عملية “طوفان الكرامة” التي يقودها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر لتحرير طرابلس من الميليشيات الإرهابية، حيث تبنت تونس موقف حكومة فايز السراج، وباتت تدافع عنه في كل المحافل في مواجهة مواقف واشنطن وباريس وموسكو وبكين ودول الاعتدال العربي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي.

منذ سنوات وتونس تدور في فلك الإخوان، من خلال حزب حركة النهضة المرتبط تنظيميا وعقائديا بالتحالف مع تركيا وقطر، وكان ذلك واضحا خلال حكم الترويكا، ثم استمر بعد وصول الرئيس الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج بعد انتخابات 2014، رغم أن هذا الأخير حاول أن يبدي نوعا من الاستقلالية والانحياز إلى محور الاعتدال العربي، وهو ما جعل تونس تبدو ظاهريا في قطيعة مع عدد من العواصم العربية، وحتى تواصلها مع دول الاعتدال لا يكاد يخرج عن دائرة المجاملات، بينما نرى دولة كموريتانيا تجني الكثير من الفوائد لشعبها من خلال وضوح رؤيتها في الانسجام مع خيارات محور الاعتدال ورفضها الانسياق وراء المحور القطري التركي الإخواني، وهو ما جعلها تحظى بالدعم من قبل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، وترتبط بعلاقات إستراتيجية مع مصر.

في اليوم الأخير من مارس الماضي، احتضنت تونس قمة عربية كانت ناجحة بكل المقاييس، ولكنها لم تقدم شيئا للبلد المضيف، وحتى نتائج زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى البلاد لم تخرج عن المجاملات وعن بعض الاتفاقيات السابقة، إذ أن الرياض عرفت بتشكيل مجالس تنسيق مع الدول التي ترتبط معها بعلاقات قوية وإستراتيجية مثل الإمارات ومصر والعراق، أو بتقديم دعم مهم لحلفائها في المنطقة.

إن العلاقات بين الدول ليست مجرد مصافحات وبرقيات تهنئة، إنها أولا مصالح وتعاون مشترك في القضايا الكبرى، وانسجام في الرؤى، وقراءة موحدة للتحديات، وهي في الأخير تحالف قوي تتداخل فيه جملة الحسابات والمعطيات والمتطلبات.

بالنسبة لتونس يبدو أنها قد اختارت طريقها، وقد تأتي انتخابات أواخر العام الجاري بما يؤكد خضوعها النهائي لمشروع الإخوان، أو بما يخرجها من براثنه، أو بما يجعلها في مدارات الشك التي تزيد من تأزم أوضاعها خصوصا وأنها تبدو محسوبة على المحور التركي القطري الإخواني حتى وإن أبى رئيسها ودبلوماسيته الاعتراف بذلك.

العرب اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق