أحمد الحناكي
على رغم المقالات التي تنتقد السياسة الخارجية الأميركية وتشريعاتها، أو السياسة الداخلية التي ترتبط بتأثيرات الخارج، ثمة إضاءات يجب ألّا ننساها أو ننكرها داخل أميركا، يفرضها المجتمع المدني من خلال اتحاده للدفاع عن الديموقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان (في الداخل طبعاً).
أورد هنا قراراً وحدثين قرأ عنها الكثيرون بين شباط (فبراير) 2018 ونيسان (أبريل) 2019، إذ أقر مجلس الشيوخ الأميركي تعسفاً، في شباط 2018 مشروع قانون يستهدف حركة “مقاطعة إسرائيل”، يسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على شركات تشارك في حملات المقاطعة.
وافق على مشروع القانون المتعلق بـ “أمن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط” 77 من أعضاء مجلس الشيوخ فيما رفضه 23 آخرون، إذ يهدف القانون الذي قدّمه السناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى “محاربة الحركة التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، احتجاجاً على احتلالها الأراضي الفلسطينية وانتهاكاتها ضد الفلسطينيين”.
بهية العماوي، مواطنة أميركية من أصل فلسطيني، تعمل كأخصائية لغوية في ولاية تكساس، تقوم بمساعدة الأطفال الذين يعانون التوحّد والصعوبات اللغوية. وعلى رغم أهمية طبيعة العمل الذي تقوم به ونبله، تم طردها من مدرسة «بفلوجرفيل» المستقلة في منطقة أوستن، إذ توقّع العماوي عقداً سنوياً يسمح لها بمواصلة عملها من دون انقطاع. ولكن هذا العام تغير الأمر، وما يبعث على الصدمة أن إدارة المدرسة قررت أن تضيف فقرة على العقد تطلب من المدرسين والموظفين الآخرين التعهد بـ “عدم مقاطعة إسرائيل” خلال توقيعهم العقد.
هذا “التعهد” أصبح الآن جزءاً من المادة 2270.001 من قانون حكومة تكساس، علماً أن المادة المذكورة واردة بالتفصيل في العقد وبشكل واضح تماماً. وبناء عليه، فإن من يعملون مع حكومة تكساس أو يريدون الحفاظ على عملهم في هذه الولاية، لن يجدوا أي ثغرة في القانون تجنبهم العقوبة.
وتعني عبارة «مقاطعة إسرائيل»، رفض النشاطات التجارية مع إسرائيل، أو القيام بأي عمل من شأنه أن يضرّ أو يحدّ من العلاقات الاقتصادية معها، أو مع أي شخص أو كيان يتعامل مع إسرائيل أو مع أي منطقة تسيطر عليها.
وفي واقع الأمر، تعتبر ولاية تكساس أن من غير المقبول حتى مقاطعة البضائع المصنوعة في المستوطنات اليهودية غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة، وهي بذلك تضع نفسها في تناقض مع القانون الدولي، وبالتالي مع المجتمع الدولي بغالبيته العظمى.
لم تستلم العماوي، بل رفعت تظلماً إلى المحكمة. وبعد نحو أربعة أشهر على فصلها من عملها بسبب تأييدها حركة مقاطعة إسرائيل وسحب استثمارات من الحركة وفرض عقوبات عليها، ألغت محكمة فيديرالية في تكساس قرار فصل بهية العماوي، معتبرةً أن المشاركة في حملات المقاطعة “تدخل ضمن حرية الرأي والتعبير”.
وكانت العماوي رفعت دعوى قضائية لدى المحكمة الفيديرالية في تكساس ضد المدرسة، تتهمها فيها بـ “انتهاك حق حرية التعبير الذي يكفله الدستور الأميركي”، بعدما طردتها بسبب رفضها الموافقة على تعهد خطي بـ “عدم مقاطعة إسرائيل، أو المشاركة في أي عمل من شأنه الإضرار بالاقتصاد الإسرائيلي”.
واعتبر القاضي الاتحادي في مدينة أوستن (تكساس) روبرت بيتمان أن القانون الذي يجبر الأميركيين على توقيع تعهدات مماثلة “يهدد بقمع الأفكار حول إسرائيل وفلسطين من خلال الإكراه بدلاً من الاقناع”. وأشار بيتمان إلى أن القانون فشل في خدمة مصالح الدولة (أميركا)، لافتاً إلى أن المشاركة في حملات المقاطعة تدخل ضمن إطار حرية التعبير.
تجدر الإشارة إلى أن 26 ولاية أميركية تحظر المشاركة في حركة “مقاطعة إسرائيل”، إذ تنص قوانينها على وجود تعهد في عقود العمل يمنع المشاركة في حملات المقاطعة.
قرار القاضي بيتمان، سيحفز الـولايات الـ 26، أو سكانها، على التمرد وربما الاحتجاج على قرار منع المقاطعة، ففي الدستور الأميركي، تعتبر المقاطعة نوعاً من التعبير عن الرأي.
لا مجال للتشكيك في متانة العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، غير أن المهاجرين على وجه التحديد، يعرفون أكثر من غيرهم أن القوانين الأميركية لا تستسلم إلى رعونة سياسيّها. من هنا، لا ينبغي لنا نحن الاستسلام أمام ذلك.
@abofares1
الحياة