السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
تونس: محكمة الحسابات تسجل خروقات في عمل هيئة الحقيقة والكرامة
سناء محيمدي
ـ تونس ـ من سناء محميدي ـ نشرت محكمة المحاسبات، تقريرا حول مهمتها الرقابية لعمل هيئة الحقيقة والكرامة المشرفة على العدالة الانتقالية بتونس، وسجلت خروقات وإخلالات عديدة شملت جوانب مختلفة أهمها إجراءات البحث والتقصي والتحكيم والمصالحة، فضلا عن إخلالات بتسيير إدارة الهيئة.
وبحسب محكمة المحاسابات، سجلت تجاوزات في متطلبات نشاط الهيئة من خلال عدم إعداد أدلة الإجراءات المتعلقة بلجنة حفظ الذاكرة الوطنية ولجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات وتم تسجيل تأخير في المصادقة على أدلة إجراءات بقية اللجان تجاوز 14 شهرا، مشيرة أيضا الى محدودية نشاط لجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات حيث اقتصر على إنجاز بحثين خلال سنة 2018 حول إصلاح المؤسسة الأمنية والقضائية مع تنظيم ورشات عمل دون وجود ما يفيد استغلال مخرجاتها.
وفي ذات السياق، أقرت المحكمة في تقريرها بوجود صعوبات في تحديد الانتهاكات أو تكييف أشكال التجاوزات نتيجة الخلط في المفاهيم أو لاعتماد وثائق غير ذات مصداقية مما أثر سلبًا على دقة المعطيات وأدى إلى إعادة تصنيف 3449 ملفًا من “ضحية” إلى “يتطلب مزيدًا من التحري” سنة 2016، في حين ارتفع عدد قرارات التخلي والحفظ والرفض إلى 17496 قرارا تم إصدارها في فترة وجيزة من 26 إلى 31 ديسمبر /كانون الأول 2018 مما لا يمكّن أصحاب هذه القرارات من آجال كافية للطعن أمام الهيئة.
وذكر التقرير أن هيئة الحقيقة والكرامة لم تتخذ التدابير الكافية لحماية الملفات السمعية والبصرية حيث تم تسجيل حالة تلف لتسجيلات بحجم 4 آلاف جيغابايت في بداية مايو/آيار 2017 تمت استعادتها لاحقا من وسائط خارج الهيئة، كما خرقت الهيئة الفصل 27 من قانون الأرشيف الذي نص على ضرورة إعلام مؤسسة الأرشيف الوطني بكل خروج للأرشيف الخاص خارج تونس وذلك بمناسبة طلب الهيئة اقتناء منظومة للحفظ والتخزين الآلي للمعطيات لدى مؤسسة في الخارج.
إخلالات في قرارات العناية الفورية بالضحايا
ونص التقرير أنه بلغ إلى غاية سبتمبر/أيلول 2017 عدد الملفات التي لا تتوفر فيها صفة ضحية 7 ملفات انتفع أصحابها بمبلغ بقيمة نحو 20 ألف دينار منها 14.5 ألف دينار لـ3 أشخاص صدرت بشأنهم قرارات رفض نهائي لصفة ضحية، في الوقت الذي أصدرت لجنة وقتية لتقديم المساعدات الاجتماعية للضحايا 554 قرارًا بقيمة مالية جملية تساوي 277 ألف دينار منها 469 قرارًا تم اقتراحها من قبل رئيس اللجنة وهو ما يعتبر جمعًا لمهام متنافرة حسب محكمة المحاسبات.
وأكدت المحكمة أن هيئة الحقيقة والكرامة، لم تقم بالتحري بالقدر الكافي في وضعيات تضارب المصالح التي شابت أعمال لجنة التحكيم والمصالحة حيث تبين أنها لم تبت في مطلبي تجريح تم تقديمهما من قبل رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 و26 ماي/آيار 2017 تعلقا على التوالي بالتخلي عن أحد الملفات وكافة ملفات الفساد المالي والاعتداء على المال العام التي يكون فيها المكلف العام بنزاعات الدولة طرفًا في غضون أسبوع وذلك خلافًا للفصل 62 من قانون العدالة الانتقالية إذ تمّت المصادقة على هذين المطلبين في 28 مايو/آيار 2018 أي بتأخير فاق على التوالي 18 شهرًا و12 شهرا.
وقد قدم رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي طلب استقالة من اللجنة بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2017 نظرًا لعلاقته السابقة بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كورشيد (شريك في مكتب محاماة)، غير أنه تم رفض هذا المطلب بتاريخ 12 أبريل/نيسان 2018.
وبينت دائرة المحاسبات أن الكريشي واصل في الأثناء مباشرة مهامه والتداول في جميع ملفات التحكيم والمصالحة بما فيها ملفين موضوع تجريح وتقديم مقترحات بشأنها والمصادقة على القرارات التحكيمية دون إمضائها، علمًا وأن لجنة التحكيم والمصالحة قررت في جلستها بتاريخ 8 مايو/آيار 2018 تكليف الكريشي رئيس اللجنة بملفات فساد كبرى وهو ما من شأنه الحد من شفافية أعمال اللجنة وحياد أعضائها وفق المحكمة.
اهدار مصاريف ضخمة في تنظيم جلسات الاستماع العلنية
وبالموازاة مع ذلك، سجلت محكمة المحاسبات خروقات وتجاوزات عديدة في تنظيم جلسات الاستماع العلنية، ففي علاقة بالحملة الدعائية لهذه الجلسات، ورد على الهيئة عرض وحيد من قبل نفس المزوّد الذي تولى لاحقًا تنظيم الجلسات، وأظهر أن العقد المبرم في الغرض بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016 قد نص على انتفاع المزوّد بنسبة 4 بالمئة من ميزانية شراء الفضاءات الإشهارية دون ضبط حد أقصى لهذه الميزانية. وانتفع المزود بمبلغ قدره أكثر من 109 ألف دينار، واعتبرته المحكمة إخلالا بمبدأ الشفافية ومن شأنه أن يؤدي إلى تضخيم قيمة الخدمات المنجزة.
وفيما يتعلق بكلفة جلسات الاستماع العلنية، بلغت قيمة الجلستين الأولى والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أكثر من 556 ألف دينار، في حين انخفضت التكلفة في الجلستين الثالثة والرابعة في ديسمبر/كانون الأول من نفس الشهر إلى 253 ألف دينار، ثم تواصل انخفاض الجلسة الواحدة إلى مبلغ 100 ألف دينار، وهو ما يكشف عن تباينات ضخمة في كلفة المصاريف.
الى ذلك، قامت الهيئة بإبرام ملاحق تجاوزت قيمة العقد الأصلي بنسبة هامة دون إعادة تفعيل المنافسة حيث وصلت قيمة الملحق باستشارة اقتناء آلة تصوير إلى 83 ألف دينار أي ما يمثل 181 بالمئة من مبلغ الاستشارة الأصلي.
غياب الشفافية في الميزانية
وفي نفس الإطار، سجلت دائرة المحاسبات إخلالا بمبدأ الشفافية في مسار إعداد ومناقشة ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة ومن ذلك عدم اتخاذ التدابير الكافية لإحكام التصرف في الميزانية حيث لم تتول وضع إجراءات مكتوبة تتعلق بإعداد الميزانية ومتابعة تنفيذها مع غياب تحديد دقيق للحاجيات ما أدى لتجاوز بعض بنود الميزانية فيما يتعلق بالمعدات الإعلامية حوالي 321 بالمئة، كما تولت الهيئة توظيف جزء من فائض السيولة لدى مؤسسة بنكية واحدة دون تفعيل مبدأ المنافسة، وفق ما ورد في التقرير.