السلايدر الرئيسيتحقيقات
نظام خطبة الجمعة في المغرب بين مطرقة السلطة الدينية وسندان السياسة
فاطمة الزهراء كريم الله
ـ الرباط ـ من فاطمة الزهراء كريم الله ـ تحظى المساجد في المغرب، بأهمية دينية كبيرة خصوصا صلاة الجمعة، إذ تمثّل فرصة للأفراد للإنصات للخطبة والإفادة من مواعظها وفرصة للأئمة والخطباء أيضا، للتواصل مع جمهورهم وممارسة سلطتهم الدينية والبلاغية والخطابية، وبهذا شكلت المساجد مسرحا لخطابات دينية متعددة، مفتوحة على أصناف من التوجيه والإرشاد والتلقين، وهو ما صنع اختلاف جمهورها أيضا، تبعا لطبيعة الخطب والخطباء الذين يعتلون منابرها.
فمنذ أن بدأ مسلسل إصلاح الحقل الديني، والدولة المغربية ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية تعمل على الإحاطة بشكل شامل بهذا الحقل. ومن بين الأمور التي تكفلت بها الوزارة، هو تقديم دليل خاص بالأئمة يحدد عملهم وأدوارهم، ليصبح بذلك الخطباء ملزمون بضوابط عدة تسطر مسار خطبهم، مما يرى الكثير من المراقبين أن هناك تحكم من قبل الدولة على مواضيع خطب الجمعة.
هل هناك تحكم من قبل الدولة المغربية في خطب يوم الجمعة…
إدراكا منها لأهمية المسجد واهمية خطب الجمعة التي تلقى داخله، ظلّت الدولة المغربية تراقب باستمرار وحذر شؤون المعتقد، كما تراقب بنفس الاهتمام مجالها الترابي، سعيا منها للحفاظ على الأوضاع القائمة دون أي فصل بيّن بين الأمن المادي والروحي.فبعد احتجاجات أبريل / نيسان 1984، التي تورّطت فيها جماعات إسلامية، ضاعفت الدولة من سياسة الرقابة على المساجد، حيث تمّت محاصرة أنشطة “الدعاة المستقلّين” وفرضت نماذج جاهزة من الخطب يكتفي الخطباء بتلاوتها.
ومؤخرا كانت قد خلفت إحدى الخطب الموحدة التي كانت قد عممتها وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية، في جل مساجد المملكة، حول موضوع “حب الوطن من الايمان”، وألزمت الوزارة جميع الخطباء بتلاوة نص الخطبة بشكل حرفي دون الزيادة فيها بإضافة أو حذف، ردود فعل غاضبة من طرف نشطاء مغاربة الذين اعتبروا أن الزام وزارة الأوقاف الخطباء والأئمة بقراءة خُطبة الجمعة الموحدة المكتوبة، يحولهم إلى مجرد “ببغاوات” تردد ما كتب لها. معتبرين أنه لاينبغي أن تفرض على الخطيب خطبة موجهه من قبل الوزارة، يرددها ترديدًا آليًا لا روح فيه، ويجب أن تترك له الحرية في اختيار موضوعه وإعداده وأدائه بالطريقة التي يرضاها عقله وضميره، وفقًا لما درسه من كتاب ربه وسنة نبيه.
فيما علق آخرون بالقول “لا لقتل الإبداع، لا للتقليل من شأن الخطيب، لا لقتل مهارته، و لا لتهميش الإمام”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي أثارت فيها خطبة الجمعة في المغرب جدلا ونقاشا، حيث أنه كثيرا ما انتقد مغاربة مواضيع بعض خطب الجمعة واعتبروا أنها “توظف” لأغراض ليست ذات صلة بالدين. اذ سبق و أن تداول مجموعة من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، مقطعا من خطبة الجمعة حيث يتحدث الخطيب عن الفقر والغنى “كابتلاء”، مرفقين إياه بتعليقات تعبر عن استيائهم من موضوعها.
وفي هذا الجانب، غالبا ما تكثر بعد بعض الخطب، العديد من التدوينات والتعاليق التي تنتقد مواضيع الخطب، ومنها التي تنتقد تخصيص بعض الخطب لمواضيع طبية أو بيئية كالرضاعة الطبيعية أو المحافظة على البيئة أو فوائد اليود في الملح، أو مناسبة وطنية كالمسيرة لخضراء أو ذكرى الاستقلال أو تقديم وثيقة المطالبة به.
وبخصوص أهمية خطبة الجمعة في المغرب و مدى تدخل الدولة فيها، يقول محمد عبد الوهاب الرفيقي الباحث في الدراسات الإسلامية، وفاعل فكري وديني بالمغرب، في تصريح لصحيفة “” : ” لا شك أن لخطبة الجمعة في المغرب اهمية خاصة باعتبارها اهمية خاصة يفد اليه المئات بل الملايين للاستماع إلى خطبة الخيب والاكثر من ذلك هو أن الذي يتوجه إلى خطبة الجمعة فهو يتوجه إليها بطقوس خاصة وإلى ذلك الحطيب بقلب خاشع و بعقل مصغي”.
فخطبة الجمعة، يضيف رفيقي، “تلعب دورا حساسا وهاما حيث أن الناس على اختلاف مستوياتهم يتوجهون إلى ذلك المسجد ويستمعون الى ذلك الخطيب”.
وأشار الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، إلى أنه في بعض الاحيان قد تستعمل السلطة لتمرير بعض رسائلها لتمرير ولكن لا يكون هذا الأمر طيلة السنة، فصحيح أن خطبة الجمعة أحيانا ما تتطرق لبعض المواضيع السياسية لكن غالب مواضيعها لا تخرج عن نطاق الوعظ والارشاد.
وأردف المتحدث قائلا: ” في نظري يجب أن تكون خطبة الجمعة بعيدة كل البعد عن كل شأن سياسي، سواء تعلق الأمر عن السياسيين أو عن الأحزاب السياسية وأن تكون على الحياد تماما إلا في بعض القضايا المجمع عليها بين المواطنين ففي هذا الظرف لا اشكال فيه أن تتعرض خطبة الجمعة إلى قضية من للقضايا المجمع عليها.
خطبة الجمعة للإصلاح والتوعية…
يشار إلى أن الحكومة كانت قد لجأت، مؤخرا من أجل الحد من الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي تتسبب فيها حوادث السير في المغرب، إلى خطباء الجمعة في المساجد الذين ألقوا خطبة كخطوة “دينية” ترمي إلى توعية الناس ففي الوقت الذي ترى فيه الوزارة أن منبر الجمعة وسيلة لنصح الناس وتوعيتهم بالأخطاء التي قد يقعون فيها. و المساهمة في الحد من حوادث السير التي تحصد حياة أزيد من 4 آلاف شخص كل سنة. يطرح مراقبون تساؤلات بخصوص مدى نجاح مبادرة وزارة الأوقاف التي سعت إلى إثارة جانب التوعية الدينية والشرعية لحوادث السير، وأيضا مدى قدرة خطبة جمعة واحدة على تغيير السلوكيات المتهورة التي تنبعث من كثير من السائقين والمارة على حد سواء، فتكون سببا للموت المأساوي على الطرقات.
وفي هذا الصدد، يرى الرفيقي، أن “خطبة الجمعة يجب أن تتجاوز ذلك النمط التقليدي وأن تتجاوز تلك الصورة التقليدية من الحديث فقط عن أحكام الفقه وعز بعض المواعظ مثل الجنة والنار، خطبة الجمعة يجب أن تركز على المواضيع التي لها صلة بالمجتمع ومشاكله، مثل اخلاق المواطنة، والحث على المساهمة في تطوير المجتمع، ويستحب أن تتطرق خطبة الجمعة مثلا إلى نظافة الأزقة وعن احترام الآخر وتقبل الآخرين، واحترام القوانين”.
ضوابط خطبة الجمعة…
في المغرب يخضع نظام الخطبة والخطباء لمجموعة من الشروط والضوابط، إذ تقترح وزارة الأوقاف، على الأئمة اتباع نهج موحد يتمثل في الاشتغال بالمعلوم من الدين بالضرورة، أي أن يتناول الإمام كل ما يلزم المسلم لعبادة ربه من أركان الإسلام وأصول الإيمان، بلا تفريط ولا افراط. أما منهجيا.
وتحث الوزارة الأئمة، على توظيف كل الأدوات الأسلوبية والمناهج الخطابية ذات التأثير القوي والناجح، مما لا تكون ردود فعله معاكسة لدى الجمهور. كأساليب التقريب والتحبيب. وتجنب المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية.على اعتبار أن الخطيب نائب لأمير المؤمنين، وبالتالي يجب عليه التحلي بالحياد بين الجميع.
وتحرص الوزارة، على مراعاة المستويات الثقافية والتخصصات المختلفة، وترى فيه أن تهور الخطيب قد يتسبب له الارتماء على التخصصات الأخرى، من طِبٍّ، أو فلَكٍ، أو هندسة، أو كيمياء، أو فيزياء، أو بيولوجيا، أو أي علم من العلوم التي لا قِبَلَ له بها، ولا سابقة له فيها ولا اختصاص، فيبني موعظته على أمور فيها، منقوضة عند أهلها، وغير مسلمة فيها. هذا بالإضافة للدعوة لتبني خطاب ايجابي غير عدمي. غير أن الوزارة المعنية تلغي كل هذه التفاصيل والشروط لصالح الخطب الموحدة، والتي تكون غالبا بهدف التوعية الوطنية أو الدينية أو الصحية.