الجزائر ـ ـ من نهال دويب ـ تفاجأ الحراك الشعبي في الجزائر بحقيقة “مرَة” للغاية، وعلى الرغم من أن الجزائريين تمكنوا من الإطاحة برئيس عمَر في الحكم لعقدين كاملين من الزمن وجر أسماء ثقيلة الوزن إلى أروقة العدالة الجزائرية، إلا أنهم وجدوا أنفسهم وبعد مرور أكثر من شهرين على انطلاقه يراوحون مكانهم فالنظام لازال متشبثا والسؤال المطروح اليوم “هل سيصبر الجزائريون أكثر؟” خاصة وأن ساعات قليلة فقط تفصلنا على حلول شهر رمضان المبارك.
وككل جمعة، خرج الجزائريون في مسيرات حاشدة من أجل التأكيد على رحيل “بقايا” نظام الرئيس المتنحي بتاريخ 2 أبريل / نيسان الجاري، ودعوا إلى محاسبة وجوه جديدة وعدم الاكتفاء برجال أعمال وشخصيات لا يتجاوز عددها يد الأصابع الواحدة.
وكان شقيق الرئيس الجزائري سعيد بوتفليقة, ووزراء سابقون حكومات عبد المالك سلال وعبد المجيد تبون، أبرز المطلوبين من طرف الشارع الذي جدد “القطيعة” مع السلطة الحالية التي ترى أن تنظيم انتخابات رئاسية تشرف عليها مؤسسات الدولة هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة، وهو الخيار الذي يدعمه بقوة الجيش ورئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح.
وخلال الأسبوع الماضي, أطلق صالح خطابين مثيرين, استبعد في الأول أي حل خارج الدستور, والثاني دعا فيه الأحزاب والشخصيات إلى الحوار مع مؤسسات الدولة القائمة وحذر بلغة شديدة اللهجة من مغبة الوقوع في العنف وجر البلاد إلى مربع الفوضى، في وقت ترى المعارضة أن تطبيق المادة 102 من الدستور على حذافيرها أطالت من عمر الانسداد السياسي.
وراحت طبعا المعارضة تهلل وتكبر بدعوة قائد أركان الجيش للجلوس على طاولة الحوار مع مؤسسات الدولة في إشارة منه إلى بن صالح رغم تحفظها رغم أنه متمسك بـ “حل الأزمة” وفق الإطار الدستوري والذي يعني الاحتفاظ ببن صالح ورئيس الوزراء الجزائري نور الدين بدوي، ويرفض احتضان ” التغيير ” القادم من الشارع.
هذه المؤشرات دفعت الخوف يتسلل إلى الحراك الشعبي, رغم بروز شعارات تؤكد الرغبة في مواصلة النضال وعدم العودة إلى نقطة الصفر أبرزها “مراناش حابسين وفي رمضان خارجين” بمعنى “لن نتوقف وسنخرج في شهر رمضان”، وهو دليل على إصرار المتظاهرين على مواصلة الاحتجاجات حتى رحيل جميع رموز حكم الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة.
ودعا نشطاء في الحراك من قلب مسيرة الجمعة الحادية عشر، الجزائريين إلى التحلي بالصبر ومواصلة ثورتهم السلمية إلى أن تتحقق مطالبه.
وقال الناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، “يجب أن نتحلى بالصبر, فالكثير يسألونني إلى متى ؟”، ورد قائلا “ما نقوله هو يجب ان نبقى صابرين، فالنظام الذي خرب هذه البلاد وسرق أموال الشعب وأذلنا وسير البلاد بالهاتف لأزيد من 20 سنة، فيجب ان نصبر معه ولا يجب أن نقول 10 أسابيع أو شهرين تعبنا”.
وخاطب بوشاشي المتظاهرين “الثورة بطريقتنا السلمية دون تكسير أو شتم شيء عظيم, لقد قدمنا درسا للعالم ويجب أن نحافظ على هذه الثورة السلمية ولا يجب أن نتوقف في وسط الطريق”.
وقال بخصوص المطالب إنها “ليست تعجيزية” وهي بسيطة، ويؤكد: “نطالب فقط برحيل رموز النظام الفاسد والسماح لنا بتسيير مرحلة انتقالية حقيقية”.
ويمكن القول أن الحراك الشعبي في الجزائر وجذ نفسه اليوم أمام مفترق الطرق في ظل ” الذكاء ” الخارق الذي يتمتع به “نظام” تمكن من المناورة والصمود لأكثر من شهرين كاملين، وهو يواصل اليوم تمرير خطته في هدوء تام وبترحيب من المعارضة التي تنادي اليوم وبكل وضوح بـ “تقليص الفجوة” بين موقف المؤسسة العسكرية المتسمكة بـ”المدخل الدستوري للحل السياسي”، وبين المطالب الشعبية وقوى المعارضة التي ترفض بشدة بقاء بقايا النظام السابق، بمن فيهم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي.
ويقول في الموضوع أحد النشطاء في الحراك يحي جعفري، في تصريح لـ”” في رده على سؤالنا “هل احترق اليأس نفوس المتظاهرين”، “الصبر نعم لكن اليأس لا، فالشعب الجزائري مصمم اليوم على إكمال مسيرته فهو يترقب ردة فعل من النظام لحسم موقفه “.