ليونيد بيرشيدسكي
لاقت الانتخابات الإسبانية التي جرت مؤخراً، اهتماماً كبيراً من جانب الأشخاص الساعين للحصول على معلومات حول التوجه الذي تتخذه الديمقراطية داخل أوروبا. وبفضل النتيجة غير الحاسمة لم يخرج طرف معين خاسراً من الانتخابات ـ لكنها كشفت في الوقت ذاته أن المنظومة السياسية لليسار واليمين لا تزال حية، ولا يزال كل تيار قادراً على الفوز بأصوات بالاعتماد على نقاط القوة التقليدية المميزة له.
وفي انتخابات أوروبية تلو الأخرى، تسبب التشرذم السياسي في خلق صعوبة أكبر في حكم الدول مع ظهور الحاجة لبناء ائتلافات تزداد صعوبة تشكيلها يوماً بعد آخر، وكانت إسبانيا نموذجاً أساسياً في هذا الاتجاه.
وفي مختلف أرجاء القارة، عانت القوى السياسية المنتمية لتيار يسار الوسط من صعوبات جمة، وعجز اشتراكيو إسبانيا بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن الفوز بأغلبية رغم معدلات التأييد شديدة السلبية التي حصل عليها غريمهم التاريخي، «حزب الشعب» المنتمي إلى يمين الوسط. وقد استمرت حالة الصعود للتيارات الشعبوية المنتمية لليمين المتطرف، وحتى داخل إسبانيا التي كانت مشاعر معاداة الهجرة داخلها أقل عن باقي أرجاء أوروبا جميعها تقريباً، أبلى حزب يميني متطرف يدعى «فوكس» بلاءً حسناً في الانتخابات بصورة شكلت مفاجأة.
حسناً، كل ما سبق كان صحيحاً وواقعاً. ورغم نجاح الاشتراكيين في زيادة مستوى تمثيلهم داخل البرلمان بدرجة هائلة، مع ارتفاع عدد المقاعد الخاصة بهم في البرلمان من 85 عام 2016 إلى 123 مقعداً، فإنهم حصلوا على 28.7 في المائة فقط من الأصوات. ويعني هذا التشرذم أن سانشيز سيواجه صعوبة أكبر في بناء حكومة أغلبية. وحتى من أجل بناء حكومة أقلية، ربما يحتاج إلى تعاون الانفصاليين الكاتالونيين الذين تسببوا في عقد انتخابات مبكرة من الأساس برفضهم مقترح الموازنة الذي قدمه سانشيز.
أما حزب «فوكس» فقد انضم إلى البرلمان، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها حزب يميني متشدد هذا الإنجاز منذ فقدان الحليف الأخير لفرنشيسكو فرنكو مقعده البرلماني عام 1982. وربما يكون سانشيز عاقداً العزم على نقل رفات فرنكو من ضريحه الفاخر قرب مدريد، لكن روح الديكتاتور ستبقى حية (مع بعض القيود الحديثة عليها) من خلال الأعضاء الـ24 التابعين لـ«فوكس» الذين انضموا إلى الغرفة الأدنى من البرلمان التي يبلغ إجمالي عدد أعضائها 350.
على الجانب الآخر، فإنه إذا رغب المرء في الدفع بحجة مفادها أن الأحزاب المعبرة عن المؤسسة السياسية قادرة على مقاومة الشعبويين القوميين بنجاح إذا اتخذت موقفاً مسؤولاً تجاه القضايا واختارت قيادات كاريزمية، فإن أداء الاشتراكيين يسمح بذلك أيضاً. كان سانشيز صاحب المظهر الجذاب ومهارة الإقناع، قد أقدم على مخاطرة واضحة في دعوته لعقد انتخابات في وقت أظهرت فيه استطلاعات الرأي تحقيق قوى اليمين أداءً أفضل عن اليسار، وكان واضحاً أنها ستخرج فائزة بوضوح، خصوصاً في ظل قوانين الانتخابات الإسبانية التي تكافئ صاحب المركز الأول بمقاعد إضافية. وقد فاز «فوكس» بـ10.2 في المائة فقط من الأصوات، أقل عن أحزاب أخرى مشابهة في دول أخرى في غرب أوروبا.
ومع هذا، فإنه لدى إلقاء نظرة غير حزبية على النتيجة تتضح نتائج مختلفة بعض الشيء: إسبانيا ـ مثلما الحال مع غالبية الدول الأوروبية الأخرى ـ
لديها أعداد متشابهة من الناخبين المؤيدين لليمين والآخرين المؤيدين لليسار. وقد أظهر نحو 11.2 مليون إسباني تأييدهم للاشتراكيين وحلفائهم المحتملين في ائتلاف حاكم، تيار «بوديموس» الشعبوي اليساري.
وصوت ما يقل قليلاً عن 11.2 مليون ناخب لصالح «حزب الشعب» و«حزب المواطنين» الليبرالي و«فوكس»، الذين كان يمكن أن يشكلوا ائتلافاً حال فوزهم بأغلبية جماعية. عام 2016، عندما كان عدد الناخبين المشاركين أقل، أيد 9.5 مليون شخص الاشتراكيين و«بوديموس» بينما صوت 11 مليوناً لصالح حزبي «الشعب» و«المواطنين».
ولا يعني تمزق الأنظمة التقليدية القائمة على حزبين انحسار الهوة بين اليسار واليمين، وإنما يعني فقط أن الناخبين على كل من الطرفين أصبحت أمامهم قامة أكبر من الخيارات الأكثر تحديداً. واليوم، تبدو الأصوات الموجهة نحو اليمين في إسبانيا منقسمة بشكل أكثر تساوياً بين الليبراليين والمحافظين والشعبويين القوميين عما كانت عليه الحال عندما كان «حزب الشعب» حزب المظلة لجميع التوجهات الثلاثة. كما أن فوز سانشيز جاء في جزء كبير منه على حساب «بوديموس» الذي خسر 15 مقعداً.
وبخلاف الكاريزما التي يتمتع بها رئيس الوزراء ومهارته في تنفيذ حملات انتخابية، فإن إعادة التوزيع تلك والمكاسب الأكبر من حيث أعداد الناخبين يمكن تفسيرهما من خلال الكرم الذي أظهرته حكومة سانشيز: فقد زادت الحد الأدنى للأجور بنسبة 22 في المائة. وبذلك يبدو أن الأسلوب اليساري المعتاد القائم على شراء الأصوات عبر الإنفاق الاجتماعي، لا يزال ناجعاً. والآن، سيسعى سانشيز لتعزيز مكاسبه من خلال مزيد من الإعانات، من خلال زيادة المعاشــــــات والإعانــــات والإنفــــاق على التعليم والبحث العلمي.
وتصبح حالة التشرذم السياسي الأوروبية الراهنة مشكلة فقط في الدول التي لا تبدو الأحزاب الراسخة فيها مستعدة للدخول في تحالفات مع شعبويين ينتمون إلى تيارها نفسه، وتسعى إلى إقصائهم خارج الائتلافات الحاكمة. في ألمانيا، مثلاً، لا يبدو «حزب البديل من أجل ألمانيا» حليفاً محتملاً لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل بسبب التوجهات القومية المريبة التي يتبعها. وبالمثل، يخلق «حزب دي لينكه» الذي يمثل الإرث الشيوعي صعوبة أمام إمكانية دخول الديمقراطيين الاشتراكيين في تحالف معه على الصعيد الوطني. أما المحصلة النهائية فتحالف غير مستقر بين يمين الوسط ويسار الوسط.
داخل إسبانيا، لا يبدو أن الأحزاب التقليدية لديها أدنى مشكلة بخصوص الدخول في تحالفات مع قوى أخرى تنتمي لتيارها نفسه.
ومن المنتظر أن يسعى سانشيز خلال الفترة المقبلة إلى التعاون مع شركاء لمعاونة إسبانيا على اتخاذ مسار أكثر اشتراكية بعد سنوات التقشف وخفض مستوى التصعيد داخل إقليم كاتالونيا الساعي للانفصال، الأمر الذي سيمثل أخباراً طيبة للكاتالونيين والمستثمرين الدوليين.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»
وفي انتخابات أوروبية تلو الأخرى، تسبب التشرذم السياسي في خلق صعوبة أكبر في حكم الدول مع ظهور الحاجة لبناء ائتلافات تزداد صعوبة تشكيلها يوماً بعد آخر، وكانت إسبانيا نموذجاً أساسياً في هذا الاتجاه.
وفي مختلف أرجاء القارة، عانت القوى السياسية المنتمية لتيار يسار الوسط من صعوبات جمة، وعجز اشتراكيو إسبانيا بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن الفوز بأغلبية رغم معدلات التأييد شديدة السلبية التي حصل عليها غريمهم التاريخي، «حزب الشعب» المنتمي إلى يمين الوسط. وقد استمرت حالة الصعود للتيارات الشعبوية المنتمية لليمين المتطرف، وحتى داخل إسبانيا التي كانت مشاعر معاداة الهجرة داخلها أقل عن باقي أرجاء أوروبا جميعها تقريباً، أبلى حزب يميني متطرف يدعى «فوكس» بلاءً حسناً في الانتخابات بصورة شكلت مفاجأة.
حسناً، كل ما سبق كان صحيحاً وواقعاً. ورغم نجاح الاشتراكيين في زيادة مستوى تمثيلهم داخل البرلمان بدرجة هائلة، مع ارتفاع عدد المقاعد الخاصة بهم في البرلمان من 85 عام 2016 إلى 123 مقعداً، فإنهم حصلوا على 28.7 في المائة فقط من الأصوات. ويعني هذا التشرذم أن سانشيز سيواجه صعوبة أكبر في بناء حكومة أغلبية. وحتى من أجل بناء حكومة أقلية، ربما يحتاج إلى تعاون الانفصاليين الكاتالونيين الذين تسببوا في عقد انتخابات مبكرة من الأساس برفضهم مقترح الموازنة الذي قدمه سانشيز.
أما حزب «فوكس» فقد انضم إلى البرلمان، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها حزب يميني متشدد هذا الإنجاز منذ فقدان الحليف الأخير لفرنشيسكو فرنكو مقعده البرلماني عام 1982. وربما يكون سانشيز عاقداً العزم على نقل رفات فرنكو من ضريحه الفاخر قرب مدريد، لكن روح الديكتاتور ستبقى حية (مع بعض القيود الحديثة عليها) من خلال الأعضاء الـ24 التابعين لـ«فوكس» الذين انضموا إلى الغرفة الأدنى من البرلمان التي يبلغ إجمالي عدد أعضائها 350.
على الجانب الآخر، فإنه إذا رغب المرء في الدفع بحجة مفادها أن الأحزاب المعبرة عن المؤسسة السياسية قادرة على مقاومة الشعبويين القوميين بنجاح إذا اتخذت موقفاً مسؤولاً تجاه القضايا واختارت قيادات كاريزمية، فإن أداء الاشتراكيين يسمح بذلك أيضاً. كان سانشيز صاحب المظهر الجذاب ومهارة الإقناع، قد أقدم على مخاطرة واضحة في دعوته لعقد انتخابات في وقت أظهرت فيه استطلاعات الرأي تحقيق قوى اليمين أداءً أفضل عن اليسار، وكان واضحاً أنها ستخرج فائزة بوضوح، خصوصاً في ظل قوانين الانتخابات الإسبانية التي تكافئ صاحب المركز الأول بمقاعد إضافية. وقد فاز «فوكس» بـ10.2 في المائة فقط من الأصوات، أقل عن أحزاب أخرى مشابهة في دول أخرى في غرب أوروبا.
ومع هذا، فإنه لدى إلقاء نظرة غير حزبية على النتيجة تتضح نتائج مختلفة بعض الشيء: إسبانيا ـ مثلما الحال مع غالبية الدول الأوروبية الأخرى ـ
لديها أعداد متشابهة من الناخبين المؤيدين لليمين والآخرين المؤيدين لليسار. وقد أظهر نحو 11.2 مليون إسباني تأييدهم للاشتراكيين وحلفائهم المحتملين في ائتلاف حاكم، تيار «بوديموس» الشعبوي اليساري.
وصوت ما يقل قليلاً عن 11.2 مليون ناخب لصالح «حزب الشعب» و«حزب المواطنين» الليبرالي و«فوكس»، الذين كان يمكن أن يشكلوا ائتلافاً حال فوزهم بأغلبية جماعية. عام 2016، عندما كان عدد الناخبين المشاركين أقل، أيد 9.5 مليون شخص الاشتراكيين و«بوديموس» بينما صوت 11 مليوناً لصالح حزبي «الشعب» و«المواطنين».
ولا يعني تمزق الأنظمة التقليدية القائمة على حزبين انحسار الهوة بين اليسار واليمين، وإنما يعني فقط أن الناخبين على كل من الطرفين أصبحت أمامهم قامة أكبر من الخيارات الأكثر تحديداً. واليوم، تبدو الأصوات الموجهة نحو اليمين في إسبانيا منقسمة بشكل أكثر تساوياً بين الليبراليين والمحافظين والشعبويين القوميين عما كانت عليه الحال عندما كان «حزب الشعب» حزب المظلة لجميع التوجهات الثلاثة. كما أن فوز سانشيز جاء في جزء كبير منه على حساب «بوديموس» الذي خسر 15 مقعداً.
وبخلاف الكاريزما التي يتمتع بها رئيس الوزراء ومهارته في تنفيذ حملات انتخابية، فإن إعادة التوزيع تلك والمكاسب الأكبر من حيث أعداد الناخبين يمكن تفسيرهما من خلال الكرم الذي أظهرته حكومة سانشيز: فقد زادت الحد الأدنى للأجور بنسبة 22 في المائة. وبذلك يبدو أن الأسلوب اليساري المعتاد القائم على شراء الأصوات عبر الإنفاق الاجتماعي، لا يزال ناجعاً. والآن، سيسعى سانشيز لتعزيز مكاسبه من خلال مزيد من الإعانات، من خلال زيادة المعاشــــــات والإعانــــات والإنفــــاق على التعليم والبحث العلمي.
وتصبح حالة التشرذم السياسي الأوروبية الراهنة مشكلة فقط في الدول التي لا تبدو الأحزاب الراسخة فيها مستعدة للدخول في تحالفات مع شعبويين ينتمون إلى تيارها نفسه، وتسعى إلى إقصائهم خارج الائتلافات الحاكمة. في ألمانيا، مثلاً، لا يبدو «حزب البديل من أجل ألمانيا» حليفاً محتملاً لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل بسبب التوجهات القومية المريبة التي يتبعها. وبالمثل، يخلق «حزب دي لينكه» الذي يمثل الإرث الشيوعي صعوبة أمام إمكانية دخول الديمقراطيين الاشتراكيين في تحالف معه على الصعيد الوطني. أما المحصلة النهائية فتحالف غير مستقر بين يمين الوسط ويسار الوسط.
داخل إسبانيا، لا يبدو أن الأحزاب التقليدية لديها أدنى مشكلة بخصوص الدخول في تحالفات مع قوى أخرى تنتمي لتيارها نفسه.
ومن المنتظر أن يسعى سانشيز خلال الفترة المقبلة إلى التعاون مع شركاء لمعاونة إسبانيا على اتخاذ مسار أكثر اشتراكية بعد سنوات التقشف وخفض مستوى التصعيد داخل إقليم كاتالونيا الساعي للانفصال، الأمر الذي سيمثل أخباراً طيبة للكاتالونيين والمستثمرين الدوليين.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»
الشرق الأوسط