السلايدر الرئيسيتحقيقات
القطيعة بين “حزب الله” والتقدُّميّين الاشتراكيّين تتواصل على خلفيّة مواقف جنبلاط الأخيرة حول عدم لبنانية مزارع شبعا… فماذا بعد؟
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ يشي كلام الأقلام المتداوَل في الصحافة اللبنانيّة بأنّ أجواء القطيعة التامّة لا تزال طاغيةً بشدّةٍ على قنوات التواصُل المباشر ما بين “حزب الله” وما بين “الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ” منذ قيام الزعيم الوطنيّ الدرزيّ وليد جنبلاط بإطلاق مواقفه الأخيرة في وقتٍ سابقٍ من الشهر المنصرم بخصوص عدم لبنانيّة مزارع شبعا التي تحتلُّها إسرائيل عند تخومها الحدوديّة مع سوريا ولبنان، ولا سيّما بعدما كانت كافّة المصادر الدائرة في فلك محور المقاومة قد أجمعَت على إدراج تلك المواقف في خانة الخيانات العظمى التي يُفترَض أن يُحاكَم مرتكبوها بموجب ما ينصّ عليه الدستور اللبنانيّ، وذلك نظرًا لأنّها تشكِّل اعترافًا صريحًا بالتنازُل عن أراضٍ محتلَّةٍ لصالح العدوّ، فضلًا عن أنّ تزامُن إطلاقها مع بدء عمليّة العدّ العكسيّ لموعد الإعلان عن تفاصيل “صفقة القرن” التي يرعاها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وصهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر لدى حلول عيد الفطر الشهر المقبل بدا مريبًا جدًّا باعتبار أنّ تنازُل لبنان عن تلك المزارع سيعني في إطار ما يعنيه شرعنة إلحاقها بمرتفعات الجولان السوريّة المحتلَّة التي اعترَف الرئيس ترامب مؤخَّرًا بالسيادة الإسرائيليّة عليها، وهو ما يرى فيه محور المقاومة سببًا كافيًا لكي يرفع درجة الجهوزيّة والتأهُّب استعدادًا للتعاطي مع كافّة أشكال التطوُّرات المحتمَلة وغير المحتمَلة على حدٍّ سواء.
علاوةً على ذلك، فإنّ ثمّة سببًا آخر من المرجَّح أن يكون له بالغ الأثر في رفع منسوب التوجُّس من توقيت إطلاق مواقف الزعيم جنبلاط الآنفة الذكر، سواءٌ داخل الدوائر المغلَقة لـ “حزب الله” وحده أم على طول خطّ محور الممانَعة الممتدّ من طهران إلى رأس الناقورة، ويتمثَّل في أنّ احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا باعتبارها مناطقَ لبنانيّةً لطالما شكَّل مبرِّرًا لكي يحتفظ الحزب بترسانته العسكريّة في لبنان تحت شعار “الجيش والشعب والمقاومة” منذ تحرير الجنوب اللبنانيّ من الاحتلال الإسرائيليّ عام 2000 ولغاية يومنا الراهن، الأمر الذي يعني في المحصِّلة النهائيّة أنّ نزع الصفة اللبنانيّة عن المزارع والتلال وغيرها من القرى الحدوديّة سيؤدّي حتمًا إلى تجريد المقاومين من أهمّ عناصر القوّة التي يعتمدون عليها للاستمرار في حمل أسلحتهم، ولا سيّما في هذه الأوقات الحرجة التي تتعالى فيها أصوات المجتمع الدوليّ للمطالبة بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559 الخاصّ بنزع أسلحة “الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة” وحصر السلاح في يد الجيش اللبنانيّ وحده، وهو القرار الذي يستوجب تطبيقه الإسراع في البدء بمناقشة الاستراتيجيّة الدفاعيّة بين مختلف الأفرقاء اللبنانيّين الذين من المتوقَّع أن يتسلَّموا دعوةً بهذا الخصوص في إطار مبادرةٍ يعتزم رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون القيام بها في المستقبل القريب وفقًا لما صرَّح به وزير الدفاع الياس بو صعب مؤخَّرًا لوسائل الإعلام المحلّيّة.
وعلى رغم عدم ظهور أيِّ مؤشِّرٍ عمليٍّ حول ما إذا كانت لمواقف الزعيم جنبلاط بخصوص مزارع شبعا أيُّ صلةٍ بموضوع مبادرة الرئيس عون المرتقَبة أم إنّ الأمر برمَّته جاء بمحض الصدفة، فإنّ أكثر ما يبدو جليًّا في سياق التطوُّرات المتعلِّقة بالقطيعة الراهنة ما بين “حزب الله” وما بين “الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ”، والتي وصل مداها إلى أوساط نوّاب الحزبين داخل البرلمان اللبنانيّ، يتمثَّل في أنّ استخدام مصطلحات التخوين بحقّ الزعيم الوطنيّ الدرزيّ سرعان ما أدّى إلى بروزِ وقفاتٍ تضامنيّةٍ مع المواقف التي عبَّر عنها في مقابلته التلفزيونيّة مع “روسيا اليوم”، ولا سيّما بعدما كان قد بادر لاحقًا إلى شرح الأبعاد القانونيّة لتلك المواقف عن طريق تفسير الفرق ما بين السيادة وما بين الملكيّة بالنسبة إلى مزارع شبعا، معتمدًا في ذلك على القرارات الدوليّة الصادرة عن مجلس الأمن، وهو الشرح الذي من المفترَض أن يكون كافيًا في هذه الأثناء لحثِّ المخوِّنين على الكفِّ عن إطلاق اتّهاماتهم التي لا يختلف اثنان ممّن عاصروا “الحزب التقدُّميّ الاشتراكيّ” منذ زمان الراحل كمال جنبلاط ولغاية يومنا الراهن على أنّ هذه المدرسة الوطنيّة العريقة ستُبقي وليد جنبلاط محصَّنًا على الدوام ضدَّ عوارض الإصابة بسهام تلك الاتّهامات، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المتضامين معه سارعوا بدورهم إلى نبش أرشيف التاريخ فوجدوا أنّ العماد ميشال عون كان قد أطلَق قبل عدّةِ سنواتٍ من الزمان مواقفَ مماثلةً بالنسبة إلى كلٍّ من المزارع وسلاح “حزب الله” على حدٍّ سواء… وحسبي أنّ حكمة رئيس الجمهوريّة في تعجيل موعد القيام بمبادرته الخاصّة بمناقشة الاستراتيجيّة الدفاعيّة ستفتح متنفَّسًا لتخفيف الاحتقان الراهن بين أنصار كلٍّ من الحزبين المتخاصمين، خدمةً لترسيخ أسس الاستقرار الداخليّ في هذه الأوقات الصعبة التي تبدو فيها منطقة الشرق الأوسط بأسرها مفتوحةً على كلّ الاحتمالات… والخير دائمًا في العهد من وراء القصد.