تحقيقات
نتائج عكسية تنتظر إيران بعد انسحابها التدريجي من الاتفاق النووي
ـ واشنطن ـ هددت إيران بالانسحاب التدريجي من الاتفاق النووي الذي وقعته عام 2015 مع القوى الغربية لضمان الطابع السلمي المدني لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. ويرى الصحفي الهندي والمحرر الدولي في مجلة تايم الأمريكية “بوبي جوش” أن التهديد الإيراني بالانسحاب من الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكس ما يسعى إليه النظام الحاكم في طهران، وهو أن يؤدي إلى تقارب المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بدلا من زيادة شقة الخلاف بينهما كما يأمل الإيرانيون.
وأعلنت إيران اعتزامها مواصلة الالتزام الجزئي بالاتفاق النووي لمدة شهرين قادمين ومنح المفاوضين الأوروبيين فرصة أخيرة من أجل الوفاء الكامل بتخفيف القيود على حركة التجارة والاستثمار مع إيران. وبعد انتهاء المهلة، تعتزم إيران التحلل تدريجيا من الالتزام ببنود الاتفاق، على طريقة “رقصة السبعة أوشحة” للشريرة سالومي.
من ناحيته وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا التحول في موقف بلاده بأنه “دبلوماسية بلغة جديدة ومنطق جديد”.
الحقيقة أنه إذا عادت إيران إلى ممارسة نفس سياسات “الأمر الواقع” التي كانت تمارسها قبل توقيع “اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة” المعروف باسم “الاتفاق النووي”، فإنها ستعود إلى حالة “الدولة المارقة”. وسيكون لهذا التحرك نفس التداعيات السابقة من فرض المزيد من العزلة والعقوبات على طهران.
ويرى بوبي جوش أن الدول الأوروبية التي تريد إنقاذ الاتفاق والتي أنشأت حتى الان الية خاصة لسداد مدفوعاتها لصالح إيران خارج دائرة العقوبات الأمريكية، لن يكون أمامها خيارات كثيرة حتى لا تعاقب إيران إذا ما قررت الأخيرة التخلي عن الاتفاق النووي. وقد حذرت وزيرة الدفاع الفرنسية بالفعل من تزايد احتمالات إعادة فرض العقوبات على إيران.
ويبقى السؤال بحسب بوبي جوش عن التوقيت الذي سيتم فيه إعادة فرض هذه العقوبات؟ هل سيتم بعد نزع الوشاح الرابع أم الوشاح السادس؟، في إشارة إلى اعتزام إيران التخلي تدريجيا عن الالتزام ببنود الاتفاق وهو ما يعني أنها ستعيد تفعيل أنشطتها النووية الموقوفة وفقا للاتفاق تدريجيا.
في الوقت نفسه فإن خروج إيران من الاتفاق النووي سيدفع الدول الأوروبية إلى تركيز قدر أكبر من الاهتمام على أنشطة النظام الإيراني الشريرة سواء داخل إيران أو خارجها. وفي حين كان هناك أمل في الإبقاء على الاتفاق النووي، كانت حركة الدول الأوروبية ضد الأنشطة الإيرانية الشريرة في منطقة الشرق الأوسط، مثل استمرار دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سورية وضرب استقرار الحكومة الديمقراطية في العراق من خلال عملاء طهران في بغداد، والدعم المادي والمعنوي لحزب الله في لبنان وحماس في غزة والحوثيين في اليمن
ويقول بوبي جوش في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن مبدأ “تجاهل الشر الاستراتيجي” في التعامل مع إيران، يتجاوز تعامل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع التجاوزات الإيرانية أثناء المفاوضات النووية. على سبيل المثال غضت الدول الأوروبية الطرف أو اكتفت بإدانات بسيطة لقيام إيران بتدبير وتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات إيرانية معارضة على الأراضي الأوروبية. كما عارضت الدول الأوروبية المحاولات الأمريكية لتشديد العقوبات على طهران بسبب برنامجها لتطوير صواريخ بعيدة المدى.
والآن ومع اتجاه إيران نحو التخلي عن التزاماتها وفقا للاتفاق النووي، ستتخذ الدول الأوروبية مواقف أكثر تشددا ضدها.
باختصار فقد لا تتبنى الدول الأوروبية النهج بالغ التشدد الذي يتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران، لكن فرض أي عقوبات اقتصادية أوروبية على طهران سيلحق ضررا كبيرا باقتصاد الأخيرة الذي يعاني بالفعل من تداعيات إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها.
لكن إيران مازالت تأمل في تجنب هذا السيناريو. فمهلة الستين يوما، التي حددها الرئيس الإيراني حسن روحاني للدول الأوروبية هي محاولة من جانبه لإحداث شرخ في جدار التحالف الغربي، وابتعاد الأوروبيين عن أمريكا. وظلت إيران تأمل في حدوث هذا الانقسام منذ إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في العام الماضي وتجاهله لكل الدعوات الأوروبية بالاستمرار في الاتفاق. لكن هذا الانقسام لم يحدث على مدى 12 شهرا مضت ومن غير المحتمل أن يحدث خلال الشهرين المقبلين بحسب بوبي جوش.
الحقيقة أن الرئيس الإيراني لم يبذل أي جهد لإخفاء محاولة الابتزاز التي يقوم بها مع الأوروبيين. فقد قال روحاني إنه إذا لم تقف الدول الأوروبية إلى جانب بلاده في مواجهة العقوبات الأمريكية، فإن إيران ستقلص جهودها الرامية إلى وقف تهريب المهاجرين والمخدرات إلى أوروبا. في المقابل فإنه مهما كان مدى رفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي للسلوك المتهور للرئيس ترامب في التعامل مع الاتفاق النووي الإيراني، ومهما كانت رغبة هؤلاء القادة في المحافظة على المصالح الاقتصادية لبلادهم مع إيران، فإنهم بالتأكيد غير مستعدين للتخلي عن التحالف مع الولايات المتحدة من أجل نظام حكم إيراني يقمع شعبه ويستخدم عملائه في الخارج لذبح الآخرين ويستخدم الابتزاز للتعامل مع الغرب. (د ب أ)