السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا

هل سيشهد تونس نفس سيناريو مصر؟

ـ تونس ـ تتالت القراءات والتأويلات خلال اليومين الماضيين عقب تصريحين متعاقبين يطرحان مسألة علاقة الجيش التونسي بالحكم. التصريح الأول كان لوزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي الذي حمّل مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية في تونس إلى القوى السياسية مؤكدا أن الشعب التونسي سوف يحاسبهم على ذلك، وارتفع منسوب الجدل حول احتمال تولي الجيش الحكم في تونس إثر تدوينة فيسبوكية مثيرة للجدل للمستشار السياسي لرئيس حركة النهضة لطفي زيتون إذ لمح لتدخل الجيش في السلطة “لإعادة ترتيب الأوضاع”.

تصريح وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي ورد بعد انفجار لغم في جبل الشعانبي أدى إلى استشهاد عسكريين يوم الأربعاء الماضي، وقد حمّل خلال تأبين شهيدي المؤسسة العسكرية، القوى السياسية في تونس مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية في البلاد. وقال الزيبدي، إن التجاذبات السياسية والانخرام السياسي الموجود في تونس منذ سبع سنوات، هي السبب وراء كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل التي عرفتها تونس بما فيها الانخرامات (الاهتزازات) الأمنية في البلاد”.

وأردف مؤكدا أن “الانخرامات السياسية تسببت في هشاشة الوضع أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وأنه ظهر بوضوح اليوم أن تحسن الوضع الأمني ضروري للنمو الاقتصادي والاستقرار”. وأضاف “السياسيون الذين يدّعون أنهم يمثلون الشعب وأن الشعب انتخبهم وأتى بهم، أريد أن أذكرهم أنه سيأتي يوم ويحاسبهم الشعب عن كل ما حدث في البلاد طيلة الفترة التي أعطاهم فيها الثقة ليمثلوه”.

واعتبر عدد هام من متابعي الشأن السياسي في تونس أن الزبيدي عندما عبر عن رأيه ولومه للسياسيين الذين أداروا الحكم في فترة ما بعد الثورة ومنذ العام 2011، أراد أن يظهر عدم رضا المؤسسة العسكرية على الإدارة السياسية. وذهب كثيرون إلى القول بأن في ذلك تلميح إلى إمكانية استيلاء الجيش على الحكم بغرض محاسبة السياسيين الذين أوصلوا البلاد إلى الوضع الاقتصادي والأمني والاقتصادي الحالي والذي وصفه بالتردي والاضطراب.

في المقابل نزّه آخرون من بينهم محللون سياسيون وإعلاميون الوزير عبد الكريم الزبيدي عن التفكير في إقحام الجيش التونسي في المعترك السياسي مرجعين ذلك إلى سببين: أولهما شخصي يتعلق بالزبيدي الذي ثبت أن ليس لديه أطماع أو طموحات سياسية حيث عرض عليه سابقا منصب رئاسة الحكومة ورفضه لأكثر من مرة، وأنه لا يتقاضى راتبه كوزير دفاع من وزارة الدفاع بل اكتفى بجراية التقاعد التي يتقاضاها مقابل عمله لسنوات في الحقل الطبي، معتبرين أن موقفه ورد لاطلاعه الواسع على حقيقة الأمور التي أوصلت أوضاع تونس إلى هذا المستوى الرديء على جميع الأصعدة.

أما ثاني الأسباب فهو يتعلق بعقيدة المؤسسة العسكرية في تونس والتي طالما نأت بنفسها عن السياسة وعن الدخول في معترك السلطة والحكم، وهو ما يميزها عن العديد من المؤسسات العسكرية العربية من بينها الجيش المصري.

وعقب الزبيدي معلقا على هذه التأويلات المختلفة حول تصريحه مؤكدا أن ما قاله يعبر عن رأيه الشخصي مشددا على أن مسار الانتقال الديمقراطي في تونس يمر بصعوبات كبيرة بسبب التجاذبات السياسية والحزبية، معتبرا أن الأوضاع في البلاد زادت سوءا على ما كانت عليه سابقا. وأكد الزبيدي حرصه على حياد المؤسسة العسكرية وعلى بقائها بعيدا عن التجاذبات السياسية لتواصل اضطلاعها بدورها في حماية مسار الانتقال الديمقراطي وحماية الشعب والدولة ومؤسساتها.

وازداد زخم القراءات والتأويلات فيما يخص علاقة الجيش في تونس بالسلطة بعد أن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تدوينة نشرت على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمستشار السياسي لرئيس حركة النهضة لطفي زيتون والتي ورد فيها “الجيش يعتبر آخر حصن للوطن، ويمكنه في صورة انهيار الدولة، أن يتمكّن من الحكم إلى أن يعيد النظام في البلاد، ويعيد هيكلة المؤسسات، ويطهر إدارة مُضرة، وينهض بالمنشآت العمومية التي تساهم يوما بعد يوم في خراب البلاد. هو دور تبغضه المؤسسة العسكرية، لأنه ليس من مشمولاتها، ولكن الواجب الوطني قد يدعوها للعب هذا الدور عبر إصدار أمر بإيقاف وقتي لـ”الانتقال الديمقراطي” الذي لا نرى منه مخرجا خاصة وأن الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد يؤدي بِنَا مباشرة إلى فقدان السيادة وأن الذئب بات في حضيرة الغنم مصحوبا بالفوضى”.

وبعد حذف التدوينة لما أثارته من جدل ولاقته من ردود فعل مستنكرة حيث اعتبرها كثيرون، دعوة صريحة من قيادي سياسي في رتبة مستشار سياسي لحركة النهضة التي تدير دفة الحكم منذ سنوات في تونس، تحت مقولات الترويكا والتوافق، لتدخل الجيش في السلطة ومطالبة له بالاستيلاء على الحكم وبسط نفوذه على مؤسسات الدولة بتعلة إنقاذ البلاد ووضع حد للانتقال الديمقراطي الذي لم يأت النتائج المرجوة منه ولم يحقق الارتقاء بأوضاع البلاد في كل المجالات، لكن زيتون أنكر لوسائل إعلام محلية أن يكون هو من كتبها وأكد أنها لا تعبر عن موقفه ولا عن رأيه.

تساؤلات كثيرة وقراءات متعددة ومتنوعة تنوع الانتماءات السياسية والآراء في تونس واكبت تصريحات وزير الدفاع وتدوينة لطفي زيتون وأهمها هل تتجه تونس نحو السيناريو المصري؟ وهل يمكن للجيش التونسي أن يتولى الحكم؟

وتتجه أغلب الأجوبة سواء لمحللين سياسيين وخبراء نحو الإجابة بالنفي وذلك لاعتبارات كثيرة تجد صداها عند بدايات الثورة التونسية وأثنائها، حيث كانت الفرصة سانحة للجيش للاستيلاء على الحكم غير أنه ظل على الحياد ووقف إلى جانب التونسيين ولعب أدواره العسكرية والمدنية بعيدا عن السلطة، وفي التوقيت الراهن مازال وزير الدفاع وأصحاب القرار في المؤسسة العسكرية يؤكدون على أن عقيدة الحياد التي تميز الجيش التونسي لن تتغير.

ويقول مراقبون أن الجيش التونسي لا يمكن أن يشبه الجيش المصري لأن تاريخ المؤسستين وعلاقاتهما بالحكم وبالسلطة مختلف تماما. مؤكدين أن الاختلاف بين المؤسستين متعدد الأبعاد وأن اختلاف تاريخ البلدين من حيث العلاقة بين المدني والعسكري، وبين مؤسسة الحكم وبين المؤسسة العسكرية، خلق نظرتين مختلفتين للمؤسسة العسكرية ولدورها ولعلاقاتها بباقي المؤسسات السياسية.

فالجيش المصري ورث عن القوى الاستعمارية مؤسسات الدولة وبقي شريكا رئيسيا في الحكم في عهد جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، فهو جيش مسيس أمسك بزمام الأمور في مصر منذ الخمسينات وله دور سياسي واقتصادي وتخرج منه جميع رؤساء البلاد باستثناء الرئيس المعزول محمد مرسي.

الوضع مختلف تماما مع الجيش التونسي الذي تأسس بعد الاستعمار وابتعد عن التدخل في الشأن السياسي وكان ذلك توجها عاما منذ تأسيسه بسبب خشية الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة من الانقلابات العسكرية، ثم تواصل الابتعاد عن الشأن السياسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي همش المؤسسة العسكرية سياسيا وماديا رغم انتماءه لها وتخرجه من مدارسها، بل إنه دعم وزارة الداخلية على حساب الجيش تبعا لتوجساته الدائمة من الجيش.

تاريخ المؤسستين في كل من البلدين أكسبهما عقيدة مختلفة وطابعا مختلفا؛ فالجيش التونسي ظل دائما خارج المعارك السياسية وخارج الحكم، واكتفى بدور الحماية وحفظ الأمن، بينما لم يبتعد الجيش المصري عن عالم السلطة واحتفظ بنفوذه السياسي بل واصل تزويد السلطة بالكوادر والإطارات، كل هذه العوامل متضافرة تؤدي إلى القول إن السيناريو المصري (من حيث إمكانية إصدار البيان الأول) أمر مستبعد الحدوث بل شبه مستحيل في ظل التوازنات السياسية الراهنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق