ـ تونس ـ من سناء محميدي ـ منذ حوالي 100 عام، ظهرت البهائية في تونس، فمع بدايات القرن العشرين، زار محي الدين الكردي الشيخ الأزهري، تونس لتبليغ تعاليم الدين البهائي، مكلفاً من عباس أفندي، نجل بهاء الله، مؤسس الدين البهائي، ليؤمن عدد من التونسيين بهذا الدين الجديد.
ولم تطرح مسألة الأقليات الدينية فعليا في تونس، إلا بعد الثورة التونسية حيث كان من النادر تعاطي الإعلام المحلي بشأن التنوع الديني في البلاد، في فترة حكم بن علي، خوفا من اعتراف ضمني أو اقرار بوجودها، وبالتالي النفخ في رماد ملف الأقليات الدينية، خلافا للأديان المعترف بها رسميا في الدولة التونسية.
غير أن رياح الثورة التونسية، دفعت باكتشاف الهويات الدينية المختلفة، كعامل ثراء حضاري، ومن شأن هذا الاختلاف أن يكون سمة مميزة في الثقل الحضاري لتونس الحديثة، ومن بينها البهائية فرغم رفض اعتراف الدولة التونسية بوجودها إلا أن معتنقي الديانة البهائية أصبحوا يعبرون بحرية أكبر عن معتقداتهم.
في فلك حضرة بهاء الله
محمد بن موسى، عضو مكتب الإعلام للمحفل الروحاني المركزي للبهائيين بتونس، والذي اعتنق البهائية، رغم نشأته وسط عائلة مسلمة، والتزامه بتعاليم الدين الإسلامي، إلا أن صراع تساؤلاته الوجودية، وصراع عقله وقناعاته الدينية، وضعه وسط تناقضات عدة، ليعثر بعدها على الطمأنينة والراحة في تعاليم حضرة بهاء الله، حيث تنسجم تلك التعاليم التي اقتنع بها مع واقعه ومع تطورات العصر.
ويقول بن موسى في حديثه مع ، أن البهائية هي دين سماوي عالمي، ظهر في تونس منذ عام 1921، ورسوله حضرة بهاء الله او الميرزا حسين علي النوري (1817-1892) مؤسس الدين البهائي، وأنه منذ ما يقارب 100 عام تواجد الدين البهائي في تونس، ملفتا أن عائلات تونسية آمنت بالرسالة البهائية منذ تلك الفترة، وأن عائلات من الجيل الخامس تعتنق الدين البهائي، مؤكدا أن الدين عندهم لا يورث.
بوصلة التعايش
وبشأن المبادئ الأساسية للدين البهائي، يقول بن موسى أن التحري عن الحقيقة، والبحث والتوفيق بين العقل والدين، وإعلاء قيم المساواة بين جميع بني البشر، والمساواة بين المرأة والرجل مُنوِّها الى ضرورة تعلم التعايش وتقبّل الوحدة في التنوع، وأن جمال الحديقة الانسانية في تنوع ورودها، واختلافها، مذكّرا أن الاختلاف لا يمكن اعتباره مصدر قلق أو فزاعة للترهيب وإنما مصدر اثراء، باعتبار أن العصر الجديد المثقل بالتحديات بحاجة اليوم الى العمل الجماعي والمشترك.
ويشير بن موسى الى أن البهائية دين يهدف لوحدة الجنس البشري، وهي تمثّل مرحلة جديدة في نضج الإنسانية. فبحسب ما جاء في الكتاب الأقدس أو ما يعرف بكتاب الأحكام، فإن التّشاريع الموجودة فيه تجيب على تحديات هذا العصر، مفيدا بأن معتقدات البهائيين تقوم على أن الوحي الإلهي لا ولن ينقطع وأن حضرة بهاء الله هو رسول هذا العصر وهذا الزمان.
والى حدود عام 1964، كان للبهائيين مركزا دينيا في قلب العاصمة التونسية، وكان يسمى “حضيرة القدس”، وفيه ينظم النشاط الإداري والديني للبهائيين، لكن ومنذ عام 1984 أغلقت السلطات التونسية المركز البهائي، بأمر من الوزير الأول آنذاك محمد المزالي.
وعن قرار غلق المحفل الروحاني المركزي، لفت بن موسى إلى أن هذا القرار كان ينص على منع نشاط كافة الجمعيات آنذاك، بما فيها الجمعيات الدينية، وقد تمت الاستجابة لقرار الغلق لحكم الدولة، ومنذ ذلك الوقت أغلق هذا المبنى.
اعتراف “أعرج”
ورغم السياق التاريخي، الذي شهد ولادة دستورا جديدا أو ما يعرف بدستور الثورة عام 2014 والذي ينص في فصله السادس على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”، غير أن الاعتراف بوجود البهائيين في تونس بقي حبرا على ورق، إذ لم يسمح لهم بتشكيل جمعية خاصة بهم في البلاد، حتى بعد الثورة، ورغم رفعهم دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية للطعن في قرار رئاسة الحكومة، ما زالت القضية في أرشيف الدولة التونسية، وهو ما يتعارض مع نص الدستور الجديد.
الولاء للوطن
وعن علاقة البهائيين بالدولة التونسية، يوضح بن موسى ل أنهم يطمحون لعلاقة بناءة ومتوازنة مع جميع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة التونسية، ورئاسة الحكومة، متابعا بقوله أن مبادئ البهائية تُقرّ بمبدأ الولاء للدولة والوطن، وعليه فإنهم يحترمون اختيارات صندوق الاقتراع سواء كانت من اليمين أو اليسار، فالمهم هو احترام دولة القانون والمؤسسات.
كما شدد في حديثه على ان تعاليم الدين البهائي تمنعهم من الانخراط في العمل السياسي الحزبي، لكنهم في قلب الشأن العام التونسي، حيث يهتمون بجميع الحوارات والقضايا التي تمس الشعب التونسي، من ضمنها المساواة بين المرأة والرجل، والتعايش ووحدة في التنوع، والمواطنة، كما أنهم يساهمون بمعية المجتمع المدني والأكاديميين التونسيين من خلال الملتقيات والمؤتمرات في تناول مثل هذه المواضيع ومناقشتها، على غرار تنظيمهم ملتقيات حول التعايش بحضور مسلمين ويهود ومسيحيين، وأمازيغ، بهدف، لا فقط بتقبل الآخر باختلافه، بل باعتبار الكل شريك في البناء، والتعايش بسلام بين جميع التونسيين.
كما ذكر بن موسى بمشاركتهم في كتابة دستور 2014، كبهائيين، حيث قدموا مقترحاتهم في المجلس التأسيسي ، الى جانب مشاركتهم في كتابة قانون تجريم العنصرية، واعتبرها قضيتهم الأصلية، فباعتقاده لا يمكن بناء عقد اجتماعي مبني على المساواة، والمواطنة والتعايش ما لم يتم الاعتراف بوجود فعلي للعنصرية في تونس، وأن النجاح في هدم مخيال العنصرية في المجتمع التونسي، والعلوية أو العرقية أو الجهوية، يتيح مناخ نقي للتعايش بين كافة التونسيين، خاصة وأن نار العنصرية والتعصب تنذر بحرق الأخضر واليابس وتمس الفكر الإنساني بمفهومه الشامل.
وردا حول ما اذا هناك مشارق اذكار في تونس (دور عبادة الدين البهائي) نفى بن موسى وجودها، مفيدا بأنها مقامة بعدة دول في العالم كالهند، وألمانيا، وامريكا، واوغندا، مضيفا أن أبواب مشارق الأذكار تلك مفتوحة لجميع الأديان دون استثناء، لكنه لم يخف أمنية الجامعة البهائية بناء مشرق اذكار في تونس مستقبلا، لكن هذا الأمر لا يُعد اولوية، بقدر اهتمامهم بإرساء أسس التعايش وقبول الآخر رغم الاختلافات والتناقضات الفكرية والعقائدية والدينية.
“الحريات” إرث ثورة الياسمين
ويقر بن موسى أن ثورة 2011، ساهمت بشكل ما في ظهورهم اعلاميا، حيث أصبحت مساحة الحرية أكبر، وتوسعت مشاركتهم في الحياة العامة، مقارنة بسنوات ما قبل الثورة.
وفي تقرير لسيلفيا كواتريني منسقة برامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة حقوق الأقليات الدولية حول الهوية والمواطنة في تونس: وضع الأقليات بعد ثورة 2011، حيث تشير في تقريرها إلى أن العدد الدقيق للبهـائـيـيـن في تـونس غـيـر معلوم، اذ لا تعترف الدولة التونسية بالبهائية كدين، ولهذا فإن الأرقام الرسمية غير متاحة، كما أن ممثلي المجتمع البهائي يترددون في إصدار تقديرات حول أعداد البهائيين في تونس، باعتبار أن العديد منهم لا يزالوا غير معروفين.
وينص التقرير أن عدم الاعتراف بهم من قبل الدولة يعود إلى غياب مكان تجمع لهم ودرجة أعلى من التمييز مقارنة باليهود والمسيحيين التونسيين، وأنه نظرا لهذه الأسباب، يصعب على البهائيين التواصل مع بعضهم البعض، ملفتا النظر بأن منصة الفيسبوك هي من أكثر المنابر استخداما.