بكر عويضة
تُرى هل الإشكال في مجرد ذهاب «يوروفيجِن» إلى تل أبيب، أم أن الأمر أعمق من ذلك وأبعد؟ بدءاً، يجب توجيه الشكر إلى كل الشخصيات والأطراف والمؤسسات الدولية، ذوي العقول المساندة للحق الفلسطيني، وأصحاب العواطف المتألمة للمعاناة الفلسطينية، الذين سارعوا إلى الاعتراض على إعطاء إسرائيل فرصة تنظيم هكذا حدث سنوي، يُعد ثاني أهم مهرجان عالمي بعد كأس العالم لكرة القدم، خصوصاً من حيث حرص الشباب في مختلف أنحاء الكوكب على متابعته.
بيد أن أسباب استمرار تفوّق نفوذ اللوبي المؤيد لإجحاف ساسة إسرائيل، تفوق بكثير مجرد فوز تل أبيب باستضافة الدورة الرابعة والستين لمسابقة أغنية أوروبا. المسألة تخص قدرة إسرائيل، منذ إنشائها، على التخطيط لما تريد، ثم المباشرة في التنفيذ، بصرف النظر عن تحقيق الهدف، معظم الأحيان، أو التعرض للفشل، أحياناً، بدل الاكتفاء أغلب الأوقات بالتخبط في متاهات منمق القول وزخرف الشعارات.
لن أستغرب إن صَدع صوت بإصبع اتهام يقول ما مضمونه إن مثل ما سبق من القول، هو نوع من الإغراق في نقد الذات، مقابل ما يشبه الهيام في إطراء مغتصب الحقوق، والإعجاب بقدرات الأعداء. هكذا قوالب، أو «كليشيهات»، اعتاد معظم العرب عليها، خصوصاً منهم الذين امتهنوا الزعيق عبر منصات الإعلام، كلما ظهر داعٍ ينادي لمواجهة لحظة الحقيقة، أو، في هذا السياق، صداع الموسيقى – كما قول قوم شكسبير: FACE THE MUSIC.
سبب ذلك أن التآلف مع المعتاد يظل أجلب للدّعة، ويغْني عن متاعب التعامل مع مُرّ الحقائق، التي يوجب المنطق ضرورة التعاطي مع ما ترتب عليها. وما دام الموضوع موسيقياً أساساً، فلا مفر من التساؤل: لماذا الاستغراب أن تفوز إسرائيل باستضافة المسابقة السنوية لأغنية أوروبا، رغم أنها ليست دولة أوروبية؟ ليل السبت الماضي، اتصل بي صديق من إحدى مدن إنجلترا تحدث بشيء من الغضب، عما عدّه جهل كثير من العرب خصوصاً، وشعوب العالم الإسلامي عموماً، بمدى سطوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي عالمياً، إلى الحد الذي يمكّن إسرائيل من تنظيم «يوروفيجِن» على أحد شواطئ تل أبيب، بلا أي اكتراث لدعوات المقاطعة التي باء أغلبها بفشل ذريع، بل إن دولة بحجم ألمانيا -أضاف الصديق الغاضب- سارع برلمانها لاستصدار تشريع يجرّم أي دعوة مقاطعة لإسرائيل، ويعدّها نوعاً من «معاداة السامية». ختم الرجل كلامه متسائلاً: متى يدرك العرب والمسلمون حقيقة أن إسرائيل أقوى منهم نفوذاً في العالم كله، تقريباً؟
نعم، ربما مطلوب تعميم هذا الإدراك بين عموم الناس، لكنه موجود في دوائر صنع القرار، وبين أوساط النخب السياسية والاقتصادية. المشكل هو في غياب عمل عربي جاد يقارع نفوذ جماعات الضغط لصالح إسرائيل بلغة المصالح، وليس بإيقاع مقامات الكلام. واضح لكل متابع، أن للدولة العبرية غير لسان، وكل لسان يجيد فن التخاطب مع كل عاصمة، أو طرف، على نحو يقنع الآخرين، أو قُلْ يوهمهم، بأن مصالحهم هي ذاتها مصلحة إسرائيل أيضاً. هذه، بكل صراحة، شطارة من جانب ساسة تل أبيب يبدو أنها غير متاحة لخصومها، فأين العجب، إذن، إذا تواصل تراجع التأثير العربي أمام استمرار تقدم النفوذ الإسرائيلي دولياً؟
مع ذلك، ليس من الموضوعية إغفال حقيقة أن التعاطف العالمي مع الحق الفلسطيني حقق تقدماً تمكن ملاحظته في مجالات دولية، ومهرجانات أو مناسبات عالمية عدة، مثلما أدى استمرار ممارسات إسرائيل العدوانية، وتواصل معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي زمناً تجاوز نصف قرن، إلى استفزاز عدد من أساتذة الجامعات العالمية، فظهر أكثر من دعوة لمقاطعة جامعات إسرائيل. ثم ما حصل مساء حفل «يوروفيجِن» بتل أبيب، عندما فاجأت نجمة عالمية بمثل وزن مادونا وأهميتها، الملايين عبر العالم بطبع علم فلسطين وعلم إسرائيل، على ثياب شابة وشاب من فرقتها، الأمر الذي أثار الغضب الإسرائيلي، بالطبع، وبدا كأنه مقلب وقع فيه منظِّمو الحفل. كذلك رفع العلم الفلسطيني أعضاء من فرقة آيسلندا المشاركة في المسابقة. مشاهد تؤكد أن الحق الفلسطيني ليس غائباً عن الضمير العالمي، لكنّ هذا لا ينفي القول إن المزيد من العمل الجاد مطلوب لإتقان التعاطي بذكاء مع تقدم نفوذ إسرائيل دولياً، أما الاكتفاء بإعلان الغضب، فلن يقدم شيئاً، بل يؤدي إلى المزيد من التراجع عربياً.
بيد أن أسباب استمرار تفوّق نفوذ اللوبي المؤيد لإجحاف ساسة إسرائيل، تفوق بكثير مجرد فوز تل أبيب باستضافة الدورة الرابعة والستين لمسابقة أغنية أوروبا. المسألة تخص قدرة إسرائيل، منذ إنشائها، على التخطيط لما تريد، ثم المباشرة في التنفيذ، بصرف النظر عن تحقيق الهدف، معظم الأحيان، أو التعرض للفشل، أحياناً، بدل الاكتفاء أغلب الأوقات بالتخبط في متاهات منمق القول وزخرف الشعارات.
لن أستغرب إن صَدع صوت بإصبع اتهام يقول ما مضمونه إن مثل ما سبق من القول، هو نوع من الإغراق في نقد الذات، مقابل ما يشبه الهيام في إطراء مغتصب الحقوق، والإعجاب بقدرات الأعداء. هكذا قوالب، أو «كليشيهات»، اعتاد معظم العرب عليها، خصوصاً منهم الذين امتهنوا الزعيق عبر منصات الإعلام، كلما ظهر داعٍ ينادي لمواجهة لحظة الحقيقة، أو، في هذا السياق، صداع الموسيقى – كما قول قوم شكسبير: FACE THE MUSIC.
سبب ذلك أن التآلف مع المعتاد يظل أجلب للدّعة، ويغْني عن متاعب التعامل مع مُرّ الحقائق، التي يوجب المنطق ضرورة التعاطي مع ما ترتب عليها. وما دام الموضوع موسيقياً أساساً، فلا مفر من التساؤل: لماذا الاستغراب أن تفوز إسرائيل باستضافة المسابقة السنوية لأغنية أوروبا، رغم أنها ليست دولة أوروبية؟ ليل السبت الماضي، اتصل بي صديق من إحدى مدن إنجلترا تحدث بشيء من الغضب، عما عدّه جهل كثير من العرب خصوصاً، وشعوب العالم الإسلامي عموماً، بمدى سطوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي عالمياً، إلى الحد الذي يمكّن إسرائيل من تنظيم «يوروفيجِن» على أحد شواطئ تل أبيب، بلا أي اكتراث لدعوات المقاطعة التي باء أغلبها بفشل ذريع، بل إن دولة بحجم ألمانيا -أضاف الصديق الغاضب- سارع برلمانها لاستصدار تشريع يجرّم أي دعوة مقاطعة لإسرائيل، ويعدّها نوعاً من «معاداة السامية». ختم الرجل كلامه متسائلاً: متى يدرك العرب والمسلمون حقيقة أن إسرائيل أقوى منهم نفوذاً في العالم كله، تقريباً؟
نعم، ربما مطلوب تعميم هذا الإدراك بين عموم الناس، لكنه موجود في دوائر صنع القرار، وبين أوساط النخب السياسية والاقتصادية. المشكل هو في غياب عمل عربي جاد يقارع نفوذ جماعات الضغط لصالح إسرائيل بلغة المصالح، وليس بإيقاع مقامات الكلام. واضح لكل متابع، أن للدولة العبرية غير لسان، وكل لسان يجيد فن التخاطب مع كل عاصمة، أو طرف، على نحو يقنع الآخرين، أو قُلْ يوهمهم، بأن مصالحهم هي ذاتها مصلحة إسرائيل أيضاً. هذه، بكل صراحة، شطارة من جانب ساسة تل أبيب يبدو أنها غير متاحة لخصومها، فأين العجب، إذن، إذا تواصل تراجع التأثير العربي أمام استمرار تقدم النفوذ الإسرائيلي دولياً؟
مع ذلك، ليس من الموضوعية إغفال حقيقة أن التعاطف العالمي مع الحق الفلسطيني حقق تقدماً تمكن ملاحظته في مجالات دولية، ومهرجانات أو مناسبات عالمية عدة، مثلما أدى استمرار ممارسات إسرائيل العدوانية، وتواصل معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي زمناً تجاوز نصف قرن، إلى استفزاز عدد من أساتذة الجامعات العالمية، فظهر أكثر من دعوة لمقاطعة جامعات إسرائيل. ثم ما حصل مساء حفل «يوروفيجِن» بتل أبيب، عندما فاجأت نجمة عالمية بمثل وزن مادونا وأهميتها، الملايين عبر العالم بطبع علم فلسطين وعلم إسرائيل، على ثياب شابة وشاب من فرقتها، الأمر الذي أثار الغضب الإسرائيلي، بالطبع، وبدا كأنه مقلب وقع فيه منظِّمو الحفل. كذلك رفع العلم الفلسطيني أعضاء من فرقة آيسلندا المشاركة في المسابقة. مشاهد تؤكد أن الحق الفلسطيني ليس غائباً عن الضمير العالمي، لكنّ هذا لا ينفي القول إن المزيد من العمل الجاد مطلوب لإتقان التعاطي بذكاء مع تقدم نفوذ إسرائيل دولياً، أما الاكتفاء بإعلان الغضب، فلن يقدم شيئاً، بل يؤدي إلى المزيد من التراجع عربياً.
الشرق الأوسط