أقلام يورابيا
اعتداء الصين على الإيغور المسلمين ليس مكافحة للإرهاب بل قمع شنيع
نيثن سيلز وسام براونباك
*نيثن سيلز وسام براونباك
يثير الاضطهاد الذي يمارسه الحزب الشيوعي الصيني على المسلمين في إقليم شينجيانغ الاستنكار والإدانة من قِبل الدول المتحضرة والمجتمع المدني بسبب وحشيته وحجمه وانتهاكه للحق الأساسي في الحرية الدينية. لكن هناك زاوية أخرى يجب أن تثير القلق أيضًا، ألا وهي أن هذه الانتهاكات تقوّض الإجماع العالمي على مكافحة الإرهاب. إن بكين تقوم بتصوير انتهاكاتها لحقوق الإنسان على أنها جهد مشروع لمكافحة الإرهاب، في الوقت الذي ليست فيه كذلك.
إن سلوك الحكومة الفظيع في شينجيانغ موثق توثيقا جيدًا. فبسبب ما تذكره عن مخاوفها المزعومة من الإرهاب، أخضعت بكين المسلمين الصينيين والأقليات العرقية الصينية، بمن فيهم الإيغور والقرغيز والأوزبك والكازاخ، إلى حملة قمع ممنهجة تزداد قسوتها. ويشمل ذلك السجن الجماعي في معسكرات ما تزعم أنه “تدريب مهني”، والاستجوابات الشرسة، والمراقبة الشاملة، ومحاولات القضاء على الممارسات الدينية السلمية.
تشير تقديرات الولايات المتحدة إلى أن الصين قامت، منذ نيسان/إبريل 2017، باحتجاز أكثر من مليون رجل وامرأة وطفل من المسلمين في معسكرات العمل القسري. وتم إرسال ما يصل إلى مليوني شخص آخر إلى دورات التلقين السياسي في المنشآت التي تعمل نهارًا. وإجمالًا، فإن عدد المواطنين الصينيين في هذه المنشآت يمثل حوالي 15 إلى 25 بالمئة من إجمالي سكان الأقليات العرقية في شينجيانغ. وقد وصفت اللجنة التنفيذية للكونغرس الأميركي بشأن الصين الوضع بأنه أكبر سجن جماعي لأقلية من السكان في العالم اليوم.
يتعرض المعتقلون إلى سيل غير منقطع من الدعاية، ما يجبرهم على التخلي عن هوياتهم الدينية والثقافية واللغوية والعرقية. فالمسلمون الصينيون يُمنعون من الصلاة اليومية المفروضة، ويتم قصّ لحاهم عنوةً، كما يتم إجبارهم على تناول لحم الخنزير والكحول. ومن الأمور المعتادة اكتظاظ المكان بالأفراد والحرمان من النوم ومن الطعام. وترفض الصين نشر أي أرقام حول عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في المعسكرات، ولكن تم الإبلاغ عن عشرات الوفيات – بما في ذلك حالات الانتحار – وربما يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير.
إن الجهود المتعمدة التي تبذلها الصين لخنق ثقافة الإيغور والقضاء على عقيدتهم الإسلامية تتعدى نطاقات الأسلاك الشائكة للمعسكرات، لتؤثر على كل جانب من جوانب حياة هذه الأقليات العرقية. فالسياسات القمعية لبكين في شينجيانغ تتضمن المراقبة الواسعة النطاق بالتكنولوجيا الفائقة، والرصد والتعقب في جميع أنحاء الإقليم (بما في ذلك استخدام تقنيات التعرف على الوجوه وطريقة المشي)، والإجراءات الأمنية القاسية في الأماكن العامة، والإقامة الجبرية، وفرض قيود على من يستطيع أداء شعائر العبادة في المساجد الباقية التي لم يهدمها الحزب الشيوعي بعد.
إن السلطات الصينية تستهدف حتى الأطفال. فقد قام الحزب الشيوعي بأخذ الآلاف من أطفال الأقليات قسرا من عائلاتهم ووضعهم في دور للأيتام تديرها الدولة، حيث يتم تعليمهم فقط لغة الماندرين الصينية ويُمنعون من تلقي التعليم الديني أو الثقافي. وبحسب ما ورد فقد أعادت السلطات تسمية الأطفال بشكل مختصر بأسماء عرقية الهان الصينية.
ومؤخرًا، وصف أحد كبار مسؤولي الحزب الشيوعي في شينجيانغ، شهرت ذاكر، المحتجزين الذين تعرضوا للضرب والتجويع، بأنهم “متدربين” كانوا سعداء بالمشاركة في “مثل هذه الأنواع من الفن والرياضة”، والتي سمحت لهم بـأن “يدركوا كيف يمكن أن تكون الحياة مبهجة.”
إن كلمة “مبهجة” ليست كلمة تُستخدم لوصف معسكر اعتقال. وعلى ما يبدو، فإن بكين تدرك الكثير من ذلك؛ إذ إنها لا تسمح للمراقبين الدوليين بزيارة المعسكرات دون إشعار مسبق.
إن ما يجعل هذا الوضع الذي لا يُطاق أسوأ بشكل أكبر هو سوء استخدام الصين المستمر لعبارة “مكافحة الإرهاب” كذريعة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ونكرر: إن الحملة القمعية في شينجيانغ ليست مكافحة للإرهاب. إنه فصل آخر في تاريخ بكين الطويل من قمع البوذيين التبتيين، والمسيحيين، وأتباع طائفة فالون غونغ.
خلال هذه العملية، تعمل الصين على إضعاف الإجماع الدولي الطويل الأمد والذي تم التوصل إليه بشق الأنفس حول كيفية محاربة الإرهابيين الحقيقيين، من خلال تطبيق القانون وتبادل المعلومات وأمن الحدود وغيرها من التدابير. إنه إجماع قامت الولايات المتحدة وشركاؤها ببنائه بشق الأنفس. بيد أن القمع الشامل الذي تمارسه بكين يستهزئ بالجهود الحقيقية والضرورية لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.
إن الصين، شأنها شأن العديد من الدول، قد عانت من الهجمات الإرهابية، بما في ذلك في شينجيانغ. وقُتل عشرات المواطنين الصينيين على أيدي الإرهابيين خلال العقد الماضي، في الصين وخارجها. لكن بكين لا يمكنها استخدام هذه الحوادث بشكل ماكر ومراوغ لخلط الممارسات الدينية السلمية للمسلمين الصينيين بالإرهاب. لا شيء يمكن أن يبرر النطاق الهائل والوحشي للقمع الذي تمارسه الصين.
إن الإرهاب تهديد حقيقي لنا جميعًا. والولايات المتحدة مستعدة للعمل مع شركاء راغبين في مكافحة جميع أشكال الإرهاب الحقيقية، لكنها لن تبقى صامتة عندما تقوم الحكومات بارتكاب الفظائع تحت ستار مكافحة الإرهاب. إن مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان يسيران جنبًا إلى جنب – ويعزز كل منهما الآخر – والولايات المتحدة سوف تجهر بالدفاع عن كليهما، مع الحلفاء والخصوم على حد سواء.
إن ما تفعله الصين ليس مكافحة للإرهاب، بل قمع شنيع على نطاق واسع، ساعدت عليه التكنولوجيا الحديثة. إنه دولة الأخ الأكبر الذي نخشاه جميعًا. وإذا كانت الصين تتوقع أن تعامل كعضو محترم في مجتمع مكافحة الإرهاب في العالم، فيجب عليها أن تتوقف. ويجب أن تفرج فورًا عن كل من احتجزتهم بشكل تعسفي.
* نيثن سيلز، سفير متجول لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية
* سام براونباك المبعوث الأمريكي وسفير متجول للحرية الدينية الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية