حقوق إنسان

ورشة في طنجة المغربية حول “تزويج القاصرات بين مقتضيات القاعدة القانونية والتفاعلات المجتمعية”

ـ طنجة ـ تحت شعار “من أجل مساهمة واعية في نقاش تزويج القاصرات بالمغرب” نظمت جمعية صديقات وأصدقاء ماستر النوع الاجتماعي وحقوق النساء بطنجة مؤخرا ندوة حول موضوع: “تزويج القاصرات بين مقتضيات القاعدة القانونية والتفاعلات المجتمعية”، وذلك بمقهى دائرة الفنون بمدينة طنجة.
استهلت أشغال الندوة بكلمة افتتاحية للدكتور عبد الله أونير منسق الوحدة، الذي قدم نبذة موجزة عن تاريخ احداث ماستر النوع الاجتماعي، مسلطا الضوء على أهداف تنظيم هذه الورشة الرمضانية التي اختارت موضوع تزويج القاصرات المطروح بقوة على الساحة المجتمعية الوطنية والدولية، حيث اختارت الجهة المنظمة مقاربة الموضوع، مقاربة قضائية وقانونية وحقوقية.
أول المتدخلين كان هو الدكتور أنس سعدون عضو نادي القضاة الذي أشار في مداخلته الى أن مدونة الأسرة رفعت سن الزواج الى 18 سنة شمسية كاملة بالنسبة للجنسين، وأجازت استثناء النزول عن هذا السن، بمقتضى مقرر قضائي يبين فيه القاضي المصلحة الفضلى للطرف القاصر، بعد الاستماع الى الوالدين والقيام ببحث اجتماعي أو خبرة طبية، مشيرا الى أن حصيلة تطبيق مدونة الأسرة كشفت أن زواج القاصر يمس الفتيات، مما يؤكد تأنيث هذه الظاهرة، وأن معدلاته في العالم القروي أضحت مقاربة لمثيلاتها في المدن، مما يؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت تزحف لتشمل العالم الحضري أيضا بسبب الهجرة القروية من جهة، ووجود الأسباب التي تغذيها من جهة أخرى وعلى رأسها الهشاشة والفقر، كما أن الاحصائيات الوطنية أضحت بدورها تكشف ارتفاع وثيرة الاستجابة لطلبات تزويج القاصرات حيث وصلت نسبة الاستجابة أزيد من 90 بالمائة، مؤكدا أن القضاء طور عدة اجتهادات مبدئية لسد الثغرات الموجودة في المقتضيات المنظمة لزواج القاصر، من قبيل فرض الاختصاص المحلي لمواجهة حالات التحايل على رفض الطلبات، الاستماع الى الفتاة القاصر على انفراد للتأكد من وجود الرضا، تمديد نطاق البحث الاجتماعي ليشمل الطرف الخاطب، علما بأنه يبقى من الناحية القانونية أجنبيا عن مسطرة تزويج القاصرات، وفي هذا الصدد تفرض المحاكم على الطرف الخاطب في أحول عديدة الادلاء بما يفيد توفره على عمل أو سكن مستقل، وتتأكد من سجله العدلي، واستعرض المتدخل أيضا عددا من الاجتهادات القضائية التي رفضت تزويج القاصرات، من بينها أحكام قضت برفض الطلب في حالة سبقية ادانة الخاطب من أجل جرائم العنف أو الاغتصاب، أو لكونه مطلق، أو لكونه لا يتوفر على سكن مستقل، أو لكونه يقيم بالخارج، ويتعذر عليه اصطحاب زوجته المستقبلية معه، أو لكونه لا يتوفر على عمل أو دخل قار، فضلا عن اجتهادات قضائية أخرى رفضت الاستجابة الى الطلب بناء على البحث الاجتماعي، أو الاستماع الى القاصر حيث تبين للمحكمة وجود اكراه في الزواج، أو عدم نضج من طرف الفتاة القاصر، مؤكدا أن طبيعة عقد الزواج بوصفه “ميثاق”، يرتب حقوقا والتزامات متبادلة بين الزوجين، يفرض أن يكون الطرفان كاملي الأهلية القانونية.
وبخصوص مفهوم المصلحة أشار المتدخل الى كونها غير واضحة المعالم في نص مدونة الأسرة متسائلا هل الأمر يتعلق بمصلحة آنية، أم مصلحة مستقبلية، هل هي مصلحة الفتاة أم مصلحة الأسرة والمجتمع، مشيرا في هذا السياق الى أن غالبية مقررات الاذن بتزويج الطفلات تشير الى المصلحة الاقتصادية، المرتبطة بفقرة أسرة الفتاة، أو حالة اليتم التي تعاني منها، وعدم توفرها على مصدر للعيش، مما يجعل هذا النوع من الزواج قائما على الهشاشة، ويعيد انتاج الهشاشة، حيث يبقى الحل الوحيد للفتيات في الأسر الفقيرة في غياب البدائل.
واستطرد قائلا أن من بين الاختلالات التي شهدتها مدونة الأسرة في التطبيق غياب الالتقائية بينها وبين تشريعات أخرى خاصة القانون الجنائي الذي لا يجرم الزواج الذي يتم بشكل غير قانوني، وهو ما شجع على التحايل على مسطرة تزويج القاصرات، كما أن الاكراه على الزواج لم يجرم الا بعد 14 سنة من صدور مدونة الأسرة، ناهيك عن التأخير في توفير مؤسسة المساعدة الاجتماعية وتوفير وسائل الاشتغال اللازمة لها.
أما المقاربة القانونية لأشغال الندوة فقد كانت حاضرة من خلال مداخلة الأستاذة زهور الحر القاضية ورئيسة قسم قضاء الأسرة بالدار البيضاء سابقا، وعضوة لجنة إصلاح مدونة الأسرة، والتي تشتغل حاليا محامية بهيئة الدار البيضاء حيث وقفت في مداخلتها على المادة 19 من مدونة الأسرة، وقالت أن المشرع المغربي جعل سن الزواج محددا في 18 لكلا الجنسين تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، إلا أنه فتح نافذة الاستثناء عبر مجموعة من الضوابط والشروط، اذ لا ينجز الزواج إلا بإذن القاضي، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، وهي ضمانات يتعين على القضاء تحقيقها وتفعيلها على أرض الواقع، وذلك برفض طلبات الإذن بالزواج دون سن الأهلية كلما بدا له انتفاء المصلحة أو احتمال حصول ضرر تترتب عنه عواقب وخيمة على الصحة الجسدية أو النفسية للمعنية بالأمر.
واستعرضت المتدخلة في مداخلتها تجربتها من خلال اللجنة الملكية التي أسندت إليها مراجعة قانون الأحوال الشخصية، حيث أكد أن اللجنة توصلت بعدة مقترحات ومطالب تخص سن الزواج أجملتها في أربعة توجهات : هناك توجه طالب برفع سن الزواج إلى 18 سنة بالنسبة للفتاة والفتى، وهناك توجه طالب بالابقاء على سن الزواج كما كان محددا في قانون الأحوال الشخصية (15 سنة بالنسبة للفتاة و 18 سنة بالنسبة للفتى)، في حين طالب توجه ثالث برفع سن زواج الفتاة إلى 16 سنة وفي نظرهم كان هو الأنسب مع سن الزواج ولمطابقته مع سن الرشد الجنائي، بينما طالب التوجه الرابع بربط سن الزواج بسن البلوغ.
وبعد أن استعرضت مجموعة من النقاشات التي جرت في اللجنة ومقارنتها بالنقاشات الموجودة في بعض الدول العربية والإفريقية والغربية خلصت الى أن زواج القاصر هو اشكالية تبرز الفجوة الموجودة بين النص والتطبيق، من جهة وبين النص القانوني والتمثلات المجتمعية والخلفية والموروث الثقافي من جهة أخرى بالنسبة للجهات المكلفة بانفاذ القانون، وأشارت الى ضرورة الحرص على إدماج الاتفاقيات الدولية في مناهج تكوين القضاة، مع ضرورة مواصلة الأبحاث والدراسات حول أسباب تفشي زواج القاصرات وسبل معالجتها.
واختتمت المداخلات بالمقاربة الحقوقية لمعالجة ظاهرة تزويج القاصرات وهي عنوان مداخلة الأستاذ محمد الهسكوري محام بهيئة طنجة، وفاعل حقوقي انطلق فيها من استعراض موقف الاتفاقيات الدولية من زواج القاصرات، حيث أشار الى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة بتاريخ 20/11/1989 المصادق عليها بموجب الظهير المؤرخ في 14/6 / 1993 والتي تنص على أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز بعد الثمانية عشر سنة. وقد أوجبت المادة 24 من الاتفاقية على الدول اتخاذ كل التدابير الفعالة والمناسبة من أجل القضاء على كل الممارسات التقليدية المضرة بصحة الأطفال. مؤكدا أن لجنة حقوق الطفل من جهتها، أن زواج الأطفال والزواج الجبري هي ممارسات تقليدية مضرة.
وأشار المتدخل الى أن المقتضيات المتعلقة بتزويج القاصرات في مدونة الأسرة متعارضة مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لأن المكان الحقيقي للقصر ذكورا أو إناثا هو فضاء اللعب والمدرسة والتكوين، وليس الزواج كمؤسسة تتطلب كمال الأهلية من الطرفين معا، مؤكدا في مداخلته على ضرورة الغاء الاستثناء وتثبيت القاعدة، وهي منع زواج القصر، مع ضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها بتوفير البدائل وشروط التنمية للمناطق التي تعاني الهشاشة والفقر والتهميش.
أشغال الندوة عرفت فتح باب التدخلات بين المشاركين، والتي ركزت على وجود ثقافة داخل المجتمع المغربي تطبع مع زواج القاصرات، يتم اذكاؤها أحيانا بأدلة من الدين تارة، ومن الأعراف تارة أخرى، كما ركزت على دور القانون في القضاء على الممارسات الضارة، شريطة توفر الارادة السياسية في حل هذا الموضوع، وعدم تسييسه، واخضاعه لمبدأ التوافقات، فالمصلحة الفضلى للقاصر “لا يمكن اخضاعها للتوافقات بيرن الفرقاء السياسيين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق