شرق أوسط
السلطات السودانية تحاول التقليل من حجم القمع الدامي وسكان يعيشون حال “رعب”
ـ الخرطوم ـ روى سودانيون الخميس حال “الرعب” التي عاشوها في الأيام الاخيرة في الخرطوم على وقع القمع الدامي للحركة الاحتجاجية الذي سعت الحكومة الخميس الى التقليل من حجمه.
وفي حصيلة رسمية، أكدت وزارة الصحة السودانية لوكالة فرانس برس أن “عدد القتلى” منذ الاثنين ارتفع الى 61. وكانت أوردت في وقت سابق عبر وكالة الأنباء الرسمية أن حصيلة عملية فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم لم تتجاوز 46 قتيلاً، نافية بذلك حصيلة القتلى التي نشرتها حركة الاحتجاج وبلغت 108.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية المشاركة في تحالف “إعلان قوى الحرية والتغيير” الذي يقود التظاهرات منذ كانون الأول/ديسمبر، الأربعاء أن الحصيلة بلغت 108 قتلى على الأقل وأكثر من 500 جريح خلال ثلاثة أيام. وقالت إن معظم الضحايا قتلوا أو أصيبوا خلال الفض العنيف للاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم.
وقالت لجنة أطباء السودان إن حصيلة هذه “المجزرة” مرشحة للارتفاع.
ودانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا من بين دول أخرى القمع الدامي.
وأعلن الاتحاد الافريقي الخميس أنه علق بمفعول فوري عضوية السودان في المنظمة القارية الى حين إقامة سلطة انتقالية مدنية في البلاد.
ودعت روسيا الخميس إلى “استعادة النظام” بوجه “المتطرفين والتحريضيين الذين لا يريدون استقرار الوضع” في السودان.
وفتحت الشوارع الرئيسة في العاصمة الخميس مع انتشار كثيف لقوات الدعم السريع، وهي قوات تابعة للأجهزة الأمنية، يقول معارضوها إنها ليست سوى نسخة عن ميليشيات الجنجويد المرهوبة الجانب المتهمة بارتكاب فظاعات في إقليم دارفور الذي يشهد نزاعاً في غرب البلاد.
وقالت حسنى عمر التي تسكن منطقة جبرة جنوب الخرطوم لفرانس برس “نعيش في حالة رعب بسبب إطلاق النار الذي يحدث من وقت لآخر، ولكن الأوضاع صباح اليوم أفضل”.
وأضافت “أشعر بالخوف على أطفالي عندما يخرجون الى الشارع”.
وقال حسين محمد الذي يسكن أم درمان المجاورة للخرطوم “انتشار سيارات عسكرية بهذه الكمية يجعلنا نحسّ بالرعب، ونحن اعتدنا على وجود قوات الشرطة. نأمل أن تنتهي هذه المظاهر سريعا”.
وبدت حركة المرور في الخرطوم أفضل من الأيام الماضية، وشوهد عدد قليل من السيارات والحافلات والحافلات الصغيرة على الطرق. وفَتح مزيد من المتاجر أبوابه في اليوم الثاني من عيد الفطر.
وعلى غرار اليومين الماضيين، ألغي العديد من الرحلات الجوية إلى الخرطوم.
“جثتان في النيل”
ويشهد السودان منذ كانون الأول/ديسمبر انتفاضة شعبية لم يعرف لها البلد مثيلاً أشعلتها زيادة أسعار الخبز وأدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 نيسان/أبريل على يد الجيش.
ولكن التعبئة استمرت وواصل المتظاهرون الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش للمطالبة بنقل السلطة إلى المدنيين.
وأثار الفض العنيف للاعتصام غير المسبوق صدمة بين المتظاهرين.
وفي توضيح للحصيلة الاولى التي أدلت بها السلطات، قال وكيل وزارة الصحة سليمان عبد الجبار لفرانس برس “عدد القتلى في الأحداث التي شهدتها البلاد حتى اليوم 61 قتيلا تفاصيلها كالآتي: 52 بالخرطوم بينهم 49 مدنيا أصيبوا بطلق ناري وثلاثة بزي قوات الدعم السريع طعنوا بآلة حادة”.
وأضاف أنه “تم انتشال جثتين من النيل إضافة الى مقتل أربعة أشخاص في ولاية النيل الأبيض وأربعة في ولاية غرب دارفور وواحد بالقضارف”.
وقالت لجنة الأطباء إنه تمّ العثور على أربعين جثة في النيل استنادا الى شهادات أطباء في المكان. لكنها لم تدل بتفاصيل إضافية.
“إرهاب”
ورغم القمع والرعب، قال تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك الاحتجاجي إن “الثورة مستمرة وشعبنا منتصر رغم إرهاب وعنف الميليشيات”.
ودعا التجمع إلى “الإضراب المفتوح والعصيان المدني”، مع التحذير من الدعوات إلى العنف، مؤكداً أن “تمسكنا بالسلمية أقوى وأنجع في هذا الظرف بالذات”.
ويعد إغلاق الطرق السلاح “السلمي” المفضل بالنسبة للمحتجين الذين أقاموا حواجز موقتة مصنوعة من الطوب والحجارة والإطارات المحترقة بهدف إلى تجسيد “العصيان المدني”. وتسمح لهم هذه الحواجز بحماية أنفسهم من قوات الدعم السريع المنتشرة في شوارع الخرطوم بكثافة منذ ثلاثة أيام.
في حي بحري في شمال الخرطوم، فتح الشارعان الرئيسيان، لكن المتظاهرين قطعوا الطرق الصغيرة التي تربطهما بالأحياء المجاورة.
“أكاذيب”
وليست لدى المتظاهرين شكوك حيال هوية مرتكبي القمع الذي طال المعتصمين، إذ يحملون مسؤوليتها الى “ميليشيات” المجلس العسكري، وتحديداً “قوات الدعم السريع”.
وفي شوارع الخرطوم، يجفل السكان لدى مرور هؤلاء العسكريين الشباب بمعظمهم، في سياراتهم العسكرية وملابسهم ذات اللون الترابي الفاتح وأسلحتهم الثقيلة.
وانبثقت قوات الدعم السريع في قسم كبير منها من ميليشيات الجنجويد العربية التي نشطت في إقليم دارفور بعد اندلاع النزاع فيه بعد العام 2005.
وأكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي” والذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس العسكري، أنه يقف إلى جانب “الثوار”. لكنه قال إنه لن يسمح بأن ينزلق البلد إلى الفوضى.
ودافع المجلس العسكري في بيان عن قوات الدعم السريع ضد ما وصفه بأنه “حملة إعلامية منظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بها جهات مغرضة هدفها إشاعة الأكاذيب وتلفيق التهم ودمغ قوات الدعم السريع بالأباطيل وهي منها براء”.
ولا يزال موقعا “فيسبوك” و”تويتر” أداتين أساسيتين في يد حركة الاحتجاج. وفي الأيام الأخيرة، شارك مستخدمو الإنترنت العديد من مقاطع الفيديو التي تُظهر رجالاً يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع وهم يضربون مدنيين عزل. (أ ف ب)