أقلام يورابيا

وثيقة مکة أمل وضاء بغد مشرق للأمة الإسلامية

السيد محمد علي الحسيني

السيد محمد علي الحسيني

في خضم فعالية تاريخية غير مسبوقة جسدتها القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفي مکان مشرف في مکة المکرمة وزمن فضيل هو شهر الطاعة والغفران رمضان، فقد اجتمع ما يقارب 1000 شخصية إسلامية من 139 دولة يمثلون سبعا وعشرين مكونا إسلاميا من مختلف المذاهب والطوائف، في طليعتهم كبار مفتيها، ليعلنوا للأمة الإسلامية والعالم أجمع “وثيقة مکة” التي اعتبروها “دستورا” للتعايش بين البشر، يدعون مواطنيهم ودولهم إلى الالتزام به والعالم أجمع إلى استلهام روحه، وذلك في “وثيقة مكة التاريخية” التي أكدت أنها تأتي على خطى “وثيقة المدينة” مع اليهود أيام الهجرة النبوية.

*وثيقة مكة التاريخية أمل الأمة في مقومات ماضيها واستنهاض حاضرها ودعم لمستقبلها

هذه قفزة نوعية وليست فقط خطوة استثنائية لعلماء الأمة الإسلامية الأجلاء، أعادت الأمل عمليا للأمة بکونها تمتلك المقومات والإمكانيات اللازمة في ماضيها المجيد لکي تستنهض بها حاضرها وتدعم وتضمن مستقبلها وتستقبل أجيالها، ذلك أن هذه الوثيقة التي أکدت بصورة خاصة على ضرورة وأهمية ترسيخ القيم الأخلاقية النبيلة وتشجيع الممارسات الاجتماعية السامية التي تدفع باتجاه التآلف والتعايش السلمي بين الأديان والأمم والشعوب وإمکانية تجاوز وتخطي الأمور والقضايا التي تدعو للنظرة الضيقة والتعصب والتشدد والانغلاق والسعي للانفتاح على الآخر بالقيم والأخلاق والعمل من أجل التأثير الإيجابي على الآخر وليس العکس، وهذا ماقد علمنا إياه النبي الأکرم”ص” في”وثيقة المدينة”.

*وثيقة مکة جاءت لتنصر المرأة وتعيد لها اعتبارها الإنساني وترفض تهميشها والنظرة الضيقة المشبوهة لها
هذه الوثيقة التي تعتبر أقوى ضربة يتم توجيهها من جانب علماء الأمة الإسلامية وفقهائها الميامين للتيارات المتطرفة والضالة، لاسيما من حيث تأکيدها على تمكين المشروع للمرأة ورفض تهميش دورها وامتهان كرامتها، إذ وکما رفع الإسلام في عهد النبي الأکرم من مکانة المرأة وأنقذها من جور تلك القيم والمبادئ اللاإنسانية التي کان المجتمع الجاهلي يتعامل بها معها، فإن وثيقة مکة قد جاءت لتنصر المرأة مرة أخرىه وتعيد لها اعتبارها الإنساني وترفض بقوة النظرة الضيقة المشبوهة والضالة للمتطرفين والضالين للمرأة ورفض تهميشها وتحديد دورها وسلبها الحق والشرف الذي منحه الإسلام لها، وذلك مايمکن أن يعتبر بمثابة رسالة واضحة للجميع بما فيهم أولئك الذي سعوا للتشکيك بالإسلام والإيحاء بأن مايدعو إليه المتطرفون الضالون هو عين مايدعو إليه هذا الدين الحنيف.

*علماء الأمة يؤكدون في “وثيقة مكة” على ضرورة احترام المواطنة الشاملة كونها من مبادئ العدالة الإسلامية

إن الإسلام اعتبر الإنسان أکرم المخلوقات ودعا للتعامل معه على هذا الأساس وإن الآية الکريمة(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، واضحة جدا بهذا الصدد، ولذلك فإن علماء وفقهاء الأمة الإسلامية قد انطلقوا على ضوئها وضوء القيم والمبادئ المعطاء الأخرى في الکتاب والسنة النبوية الشريفة، مشددين على ضرورة احترام المواطنة الشاملة كونها من مبادئ العدالة الإسلامية، فخدمة الإنسان کفرد وکمجتمع وکأمة، کان وسيبقى هو هدف وغاية الإسلام، وإن هذه الدعوة لابد لها أن تجد صدى في مختلف أقطار العالم الإسلامي ويتم العمل على ضوئها من أجل رفع شأن ومکانة ومنزلة الإنسان المسلم.
*المتطرفون عملوا على محو”وثيقة المدينة” من التاريخ الإسلامي و”وثيقة مكة ” كشفتهم ورسخت مبدأ التعايش بين البشر

إن الأمة الإسلامية وبسبب الأحداث والتطورات المختلفة التي عصفت بها خلال العقود الأربعة الأخيرة، طفت إلى السطح جماعات وأفراد ضالون منحرفون عن جادة الحق والصواب يعملون مابوسعهم من أجل تصوير الإسلام على أنه دين متشدد لا يدعو لرفض الآخر فحسب، إنما حتى لقتله وإبادته وهم بذلك يسعون من أجل مسح ومحو”وثيقة المدينة” من تاريخنا الإسلامي المجيد والإيحاء بأن الاسلام دين منغلق على نفسه ويدعو لفرض نفسه قسرا على الأديان والملل الأخرى وهم بذلك يناقضون الآية الکريمة:” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” وکذلك الآية الکريمة:” لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم”، ومن هنا فإن دعوة وثيقة مکة من أجل تحصين المجتمعات المسلمة نحو مفاهيم الوسطية والاعتدال، قد جاءت في وقتها تماما خصوصا وإنها صادرة من أکبر تجمع لعلماء وفقهاء الأمة الإسلامية.

*وثيقة مكة تركز على أهمية تجارب التنمية الناجحة عالميا نموذجا في ردع أشكال الفساد وعملا لسمو الأمة الإسلامية ورقيها إلى مصاف الأمم المتقدمة

تعويلنا وتفاٶلنا بوثيقة مکة إضافة إلى النقاط الجوهرية والأساسية التي طرحناها آنفا، فإنها قد رکزت وبصورة غير عادية على ضرورة وأهمية تجارب التنمية الناجحة عالميا نموذجا في ردع أشكال الفساد، وذلك من أجل النهوض بالأوضاع الاقتصادية والتنموية لتكون في مستوى احتياجات ومتطلبات الأمة الإسلامية والسعي من أجل سموها ورقيها إلى مصاف الأمم المتقدمة وليتنعم أبناؤها بالخيرات والنعم الکثيرة التي تزخر بها بلدانهم وضرورة العمل بصورة علمية من أجل تعميم الاستفادة منها والقضاء على حالات الفقر والمجاعة والحرمان التي للأسف نجدها ماثلة في عالمنا الإسلامي، وقد آن الأوان من أجل العمل الجدي من أجل مکافحتها والتصدي لها، والله تعالى من وراء القصد.
* عالم دين ومفكر إسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق