تحقيقات
توثيق تاريخ “قِفطْ”… من أقدم مدن مصر وعرف سكانها بالتجارة مع بلاد الهند
الأقصر ـ شرع باحثون مصريون في مشروع كبير يهدف إلى توثيق تاريخ ومعالم مدينة “قِفطْ” الأثرية، بمحافظة قنا، في صعيد مصر.
ويقول رئيس الجمعية المصرية للتنمية الأثرية والسياحية، أيمن أبوزيد، إن المشروع الذى تتبناه الجمعية بالتعاون مع مؤسسات بحثية وأكاديمية، يهدف إلى الحفاظ على ما تبقى في “قِفطْ”من تراث علمي وتاريخي ومعالم أثرية يرجع تاريخها لآلاف السنين، وذلك في إطار خطة تشمل مدن ومواقع تاريخية وأثرية أخرى، مثل مدينة فرشوط وطريق الحج المصري القديم.
وأضاف أبوزيد إلى أن “قِفطْ” تعد إحدى أقدم مدن مصر، وقد أطلق عليها قدماء المصريين اسم “oelsti، وعرفت في اللاتينية باسم ” coptos ” ، وفى القبطية عرفت باسم ” keptou “، ووردت عند علماء الجغرافيا باسم ” keft “.
وكانت “قِفطْ” مركزا تجاريا، ورأسا لطريق القوافل التي كانت تخترق الصحراء العربية ما بين البحر الأحمر ووادي النيل.
وبحسب أبوزيد، كانت “قِفطْ” عاصمة للإقليم الجنوبي في مصر القديمة، وكانت مدينة متحضرة عبر التاريخ واشتهر سكانها الذين كان بينهم خليط من البيزنطيين بالتجارة منذ القدم وحتى اليوم، كما عرفوا بالسفر إلى الهند بهدف التجارة. وعرفت “قِفطْ” كذلك بأنها مدينة الزمرد الذى كان يستخرج من موقع جبلي يقال له ” الخربة”، واشتهرت المدينة قديما بصناعة الصابون، الذى صدره تجارها لجميع الأقاليم في أنحاء مصر.
وكتب المؤرخ المقريزي عن أنواع الزمرد في “قِفطْ”، حيث قال: “إن هذا المعدن كان في صدر مغارة طويلة في حجر أبيض، وهذا الحجر الأبيض الذى كان يستخرج منه الزمرد ثلاثة أنواع ، وأما النوع الأول، فكان يطلق عليه /طلق كافوري/، والثاني كان يطلق عليه /طلق فضي/، والثالث كان يطلق عليه /حجر حروي./” وحظيت “قِفطْ” باهتمام كبير من حكام أسرة محمد على باشا، لوقوعها على طريق الحج.
وكانت “قِفطْ” قديما مقصدا للعلماء والقضاة والوزراء، فقد وفد اليها علماء كثير من البلدان، بعضهم من القدس وحلب، وكان الحكام يرسلون إليها القضاة والوزراء.
ويوجد في “قِفطْ”الكثير من الآثار المصرية القديمة، حيث تحظى المدينة بمنطقة أثرية تمتد على مساحة 45 فدانا، بها اطلال وأساسات معابد يرجع بعضها الى عصر الملك تحتمس الثالث وإلى العهدين البطلمي والروماني.
كما يوجد في “قِفطْ” معبد للإله “مين” والإلهة “إيزيس”، وبقايا معبد لأوزوريس، ومعبد أقامه الإمبراطور الروماني” كلاوديوس”، وقد كرس ذلك المعبد لعبادةالآلهة “مين” و”إيزيس” و”حورس” في مصر القديمة.
وشاركت في البحث والتنقيب عن الآثار القديمة في “قِفطْ” كثير من البعثات الأثرية من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وغيرها.
ويقول أيمن أبوزيد إن معبد الإله “مين” هو أهم آثار مدينة “قِفطْ”، وكان يعد “إله التناسل والإخصاب وسيد الصحراء الشرقية والأراضي الأجنبية في مصر القديمة.” وأقيم المعبد في عهد الأسرة الرابعة بمصر القديمة، وقام بإعادة بنائه الملك “بيبي” أحد ملوك الأسرة السادسة.
وكشفت حفائر أثرية تعود للفترة بين عامي 1893 و1894، عن تمثال للإله “مين” محفور عليه حيوانات الصحراء ومواقع البحر الأحمر، وأيضا تمثال الثالوث الضخم الذي يمثل الملك رمسيس الثاني جالسا بين الآلهة “غيزيس” و”حتحور”، وهو موجود بالمتحف المصري، وإناء أثرى كبير يحمل اسم الملك خوفو، وكان يستخدم في الطقوس الدينية، وهو موجود الآن بالمتحف البريطاني، ويقال بأن بردية طيبة الشهيرة يوجد بها نص يشير إلى أنها اكتشفت في “قِفطْ”. كما تضم “قِفطْ” معبد منطقة القلعة الذى يرجع للعصر الروماني وآثارا تعرف باسم آثار “نجع كوم المؤمنين”.
أما “قِفطْ”اليوم، فهي مدينة تقع بين قنا والأقصر، وهي تتبع محافظة قنا وتشتهر بأنها أحد أهم المدن التجارية في صعيد مصر.
وباتت المدينة اليوم على أعتاب مشاريع مشتركة بين مؤسسات المجتمع المدنى ووزارة الآثار المصرية وسلطات محافظة قنا، بهدف إحياء آثارها ومكانتها الحضارية الضاربة في أعماق التاريخ.