أقلام مختارة

أنديرا غاندي ووجه آخر للهند

أحمد الحناكي

أحمد الحناكي

لا يمكن للمرء أن يقرأ سيرة رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي، من دون أن تتنازعه العواطف والألم والحزن والإعجاب والدهشة، سيرة حافلة بأحداث كبيرة، يتخللها جانب عن الهند لا يعرفه الكثيرون.

هناك من يكتب سيرته الذاتية، وهناك من تُكتب عنه سيرته الذاتية، ولكل طريقة إيجابياتها وسلبياتها كما نعلم. والمؤكد أن من يكتب سيرته الذاتية بنفسه هو الأقدر على سردها، فلا أحد يعرف عن نفسه أكثر منه، لكنه لا يكتبها عادة بشكل متجرد، فذلك صعب جداً بل مستحيل، بينما يستطيع شخص آخر كتابة سيرة ذاتيه لشخص مشهور أو معروف أو بارز، لكن هناك محاذير في ذلك، منها المهنية والصدق والتأكد من المعلومة.

كاتبة سيرة أنديرا غاندي هي كاترين فرانك، التي (وفق مقدمة الناشر) ولدت وتعلمت في الولايات المتحدة، وكتبت ثلاث سير شهيرة هي سيرة حياة الكاتبات الإنكليزيات لوسي دوف غوردون وماري كينغزلي وإميلي برونتي، كما عملت أستاذة في جامعات مختلفة في غرب أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وبريطانيا، وخلال السنوات الست التي قضتها في البحث وكتابة سيرة أنديرا غاندي، كانت فرانك تقيم غالباً في الهند، علماً أنها تعيش في إنكلترا (أثناء صدور الطبعة الأولى للكتاب في عام 2010).

اختار موتيلال طفلة في الـ 12 من عمرها لتصبح زوجة لابنه نهرو – و يا للمفارقة والسوداوية تجاه المرأة – وهذه إحدى العادات الهندية التي يحاول المشرّعون الهنود التخلص منها. صحيح أن نهرو، الذي أصبح فيما بعد والد أنديرا لم يرتبط بزوجته إلا عندما بلغت الـ16 من عمرها، إلا أن هذا العمر أيضا أصغر من المفترض. وفضلا عن ذلك ماذا عن الآخرين الذين لا يفرقون في العمر ولا خلافه؟

الملفت أن شهر العسل لوالدي أنديرا -أو أندو- كان في الهيملايا، وكان نهرو يقضي وقته في هواية تسلق الجبال بينما العروس تنتظره في المنزل.

كان العمال في جبال الهملايا يقومون بأعمال أقرب إلى الأعمال الشاقة بحملهم حقائب نهرو وابن عمه، وكانوا يبصقون الدم جرّاء حملهم الحقائب الثقيلة (جانب من الطبقية والاستعباد).

صدمت العائلة التي كانت تترقب مولوداً ذكراً عندما أطلت أنديرا على الحياة، وهي عاشت منذ ولادتها في بيئة مناضلين ضد الاستعمار الإنكليزي، خاصة والدها وجدها، وعلى رغم الطابع الذكوري المتعصب للمجتمع الهندي، إلا أن أنديرا وبحكم تاريخ العائلة، كانت لها فرصة أن تصبح فيما بعد رئيسة للوزراء، مع الإشارة إلى انها أول امرأة تصبح رئيسة وزراء في العالم بعد رئيسة سريلانكا.

تسمية غاندي أتت بعد زواجها من فيروز غاندي الذي مات قبل أن يشهد الكثير من إنجازاتها. علماً أن لأنديرا إنجازات كبيرة أدخلت بها الهند في مصاف الدول الكبرى، ففي عهدها تم انتزاع بنغلاديش من باكستان الشرقية، واستطاعت الهند انتاج القنبلة النووية.

لم تكن حياة أنديرا وردية وخالية من الشوك، إذ اتهمت في عام 1975 بالتلاعب بالانتخابات، وطولبت بالاستقالة، إلا أنها أعلنت حال الطوارئ بدلاً من ذلك، وفي خلدها توريث ابنها سانجاي عبر الانتخابات طبعاً، ومهدت الطريق لذلك بسجن آلاف من الخصوم، غير أن كل شيء ذهب هباء بعد موت سانجاي بشكل تراجيدي إثر سقوط طائرته.

اصطدمت غاندي بالمجتمع الهندي عندما أقرت مشروع “التعقيم” في محاولة للقضاء على الفقر، إلا أن الخطوة لقيت غضباً عارماً، وفضلا عن كل هذه المشاكل، أوجد لها الصراع مع طائفة السيخ عدواً لم تحسب خطواتها جيداً تجاهه، أو أنها أدركت خطورته ولكن لم تجد أمامها أي حلول أخرى، وبالتالي بعد مذبحة السيخ في “المعبد الذهبي” على يد الجيش الهندي قرر السيخ الانتقام وكان هدفهم رأسها.

رفضت أنديرا غاندي الإصغاء لطلب الأمن عندما أرادوا منها أن تستعين بالجيش لحمايتها، وقالت: “أنا في بلد ديموقراطي والجيش للدفاع عن الوطن”. وكذلك رفضت الاستغناء عن حراسها الشخصيين وكانوا من السيخ، وقالت: “أنا أم للهند جميعا”. وللأسف، أن هؤلاء الحراس هم الذين اغتالوها فيما بعد، بعد أن أفرغوا 30 رصاصة في جسدها.

المؤكد أن الهند فقدت باغتيالها امرأة عظيمة ومؤثرة كان من الممكن أن تغير وجه الهند، مع أن الأخيرة تجاوزت تلك المرحلة عموما.

@abofares1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق